مقاربات فنية وحضارية
كاظم شمهود: الطبيعة قاموس الفنان
يقول الكاتب والمفكر الانكليزي جون راسكين (كان الاغريق قديما يجسدون الطبيعة في اشكال بشرية وكان ايمانهم فحسب بصور انسانيتهم، وقداحسنوا بروح الالفة والعطف على روح الجدول وليس على الجدول ذاته، ونحوا الارواح الساكنة في الغابة وليس الغابة نفسها) وكان راسكين يؤكد على ان نظرية الطبيعة جامدة هو خطأ جسيم، وان الطبيعة لها روح حية، تمنحنا العطف والحياة، وان الجدول والينابيع تغني، وان الازهار تمنحنا الحياة والبهجة، ولهذا فالايمان بالحياة الروحية للاشجار والانهار والجبال شئ لا بد منه وواقعي.
وكان الفنان الانكليزي جون كونستابل 1776. 1837 من الاوائل الذين خرجوا الى الطبيعة لرسمها مباشرة بدلا من رسمها في الاستوديو ويقول في هذا الصدد (يجب على مصور المناظر الطبيغية ان يسير عبر الحقول بذهنية متواضعة،،، انني لم ار في حياتي قط شيئا قبيحا، فمهما كان شكل الشئ فان الضؤ والظل والمنظور يضفي عليه حلة قشيبة (جديدة) من الجمال..).
هذه النظريات التي يطلقها المفكرون والفنانون الغربيون عن حياة الطبيعة كان قد سبقهم بها الفنان الشرقي خاصة الصيني والذي كان يعتقد بان الطبيعة لها روح ولهذا رسمها بقدسية ودقة متناهية وربطها بعالم الكون والحياة. وقد اشار القرآن الكريم الى ذلك في عدد من الآيات القرآنية وما من شئ الا وله روح حتى الحجر.
وكان الناس في القرون الماضية معتادين ان يروا الفنانيين يرسمون المواضيع الدينية والتاريخية، ولكن ابتداءا من القرن التاسع عشر اهتم الفنانون برسم الطبيعة واعلنوا ان الطبيعة قاموس الفنان بمعنى هي التي يختار منها مفرداته الفنية المناسبة. خاصة في زمن المدرسة الانطباعية 1874، وكان معظم الفنانين الحديثين قد اهتموا برسم الطبيعة الجامدة، واتخذوها كذريعة يتوسلون بها الى تحقيق خطوط واشكال والوان للبحث عن اسلوب وفن جديد، حيث تجرد للاحساس بماهيتها والكشف عن نشاط انفعال فائق السمو للفنان المبدع.
وقد ظهر في زمن المفكر جان جاك روسو 1712. 1778، تيار فني يدعو الى رسم الطبيعة، وكان روسو يعلن حماسته عن ايمانه بالطبيعة ويحبذ الخلود اليها كسبيل للخلاص من مفاسد الحضارة الحديثة وسطحيتها في ذلك الوقت. ويبدو ان كل جيل قديم يلعن جيله الجديد ويصفه بالسطحية والفساد والانحراف. وهي ظاهرة نجدها تتكرر في كل زمان ومكان. وهناك قول للامام علي،ع، ينصح فيه الاباء (لا تضربوا اولادكم فانهم ولدوا في زمان غير زمانكم).
وكانت المعابد في ذلك الوقت ملاذا وملجئا للناس كلما ذاقت بهم الحياة، ولكن روسو وجد في الطبيعة المعبد الاسمى للنفس والكروب، وبالتالي فان فن التصوير يجب ان ينظر الى الطبيعة ككائن حي وان نقترب منها بمشاعر يحدوها الخضوع والاحترام.. وعادة ما يكون الفلاسفة اكثر من المصورين استعدادا للايمان بالحياة الروحية للطبيعة وانهم يبدون حبا وابتهاجا في حماسة بالمواقع التي تغمرها الشمس.
وبالتالي فان القيم الجمالية يمكن ان نجدها في الطبيعة والانسان معا وان القبح صفة نسبية، ويذكر احد فلاسفة الاغريق بان اجمل قرد يكون اقبح شكل عند الانسان وان اقبح انسان يكون اجمل شكل عند القرود، وهذا ايضا يسري في تقاليد وعادات الشعوب حيث لكل شعب وجغرافية مقاييس معينة في القبح والجمال الشكلي، اما القيم والاخلاق الانسانية فهي جميلة جمال معنوي مطلق، كالصدق والحب والعدل وغيرها، وتعتبر هذه من اسس التعايش والسلم العالمي. وحسب رأي كونستابل انه ليس هناك شيئا قبيحا في الطبيعة اذا ما خضع للظل والضوء والمنظور وان القبح والجمال الشكلي مسألة نسبية اما الجمال المعنوي فهو ثابت في الفطرة وحسب قول الفيلسوف ديكارت ان الحق هو الجمال. ولكن عندما نجد امامنا عملا فنيا منجزا علينا الالتزام بوجهة نظرنا امام عمل اصبح حقيقة واقعية موضوعية ويجب احترامه، لانه يعبر عن مشاعر ذاتية وافكار خاصة بفنان وانسان مبدع. وكان كاندنسكي من الاوائل الذين اهتموا بماهيات الاشكال فقد حولها الى سطوح والوان وايقاعات وانغام موسيقىية، واصدر كتابا سماه ـ الروحانيات ـ عام 1910.
د. كاظم شمهود