أقلام حرة
أكرم عثمان: الانتماء النفسي للمنظمة.. حين يتحول العمل من وظيفة إلى رسالة سامية
يعد الانتماء النفسي للمنظمة ثقافة أصيلة وجذراً عميقاً من جذور النجاح المؤسسي، فهو ليس مجرد شعور عابر أو شعار يرفع، بل حالة وجدانية متكاملة تنتج طاقة متدفقة من الإخلاص والوفاء، وتشعل في داخل الموظف والمسؤول على حد سواء حساً عالياً من الالتزام والمسؤولية والانتماء الحقيقي.
عندما يتحقق الانتماء النفسي، يشع وجدان الفرد إخلاصاً وثقة بمن حوله، فيدعمهم، ويشاركهم، ويسخر خبراته وطاقاته لخدمة العمل والناس من حوله. يعمل بانسجام وراحة داخلية، دون أن يستشعر ثقل الجهد أو وطأة الإرهاق والجهد المضن، بل يبذل الكثير دون شكوى أو تذمر، لأنه يرى في عطائه معنى، وفي عمله قيمة، وفي منظمته بيتاً ثانياً لا مجرد مكان يتقاضى منه راتباً أو مصلحة يقضيها أو ينتفع منها.
الموظف المنتمي لا ينظر إلى نفسه كأجير ينتظر الأجر آخر الشهر، بل يرى ذاته شريكاً أصيلاً في النجاح، وعنصراً فاعلاً في البناء والنمو والتطوير، ومسؤولاً عن جودة الأداء وسمعة المؤسسة وصورتها المشرقة واستمراريتها نحو التقدم والأزدهار. وهنا يتحول الانتماء النفسي تلقائياً إلى ولاء مؤسسي قائم على حب العمل، والتفاني فيه، وبذل الطاقات والقدرات لإنجاحه وتطويره، حتى تتجسد هذه الجهود في صورة نجاحات ملموسة، وجودة في الأداء، واحترافية مهنية عالية تسخر فيها الإمكانات لخدمة الرؤية التي تحلم بها والرسالة المؤسسية التي تسعى لتطبيقها وتنفيذها من أجل الوصول إلى غاياتها وأهدافها.
وفي المقابل، يبرز الفارق الجوهري – بل الشاسع – بين موظف أو مسؤول يرى عمله محصوراً في الرتبة والمنصب والمنفعة المادية والأجر، ولا يحمل أي ارتباط وجداني أو استعداد للتضحية، وبين موظف أو مدير يرى العمل رسالة وحرفة، ويتعامل معه بإخلاص منقطع النظير، فيبذل كل ما يملك من وقت وجهد وفكر لينجح العمل، ويرتقي به في سلم التميز والتوسع والنمو.
إن بناء الانتماء النفسي لا يحدث صدفة، بل هو نتاج مباشر لأسلوب القيادة والإدارة. فالمسؤول الواعي يسهم بشكل حاسم في صناعة هذا الانتماء من خلال تجويد العلاقة الإنسانية والمهنية مع الموظفين، قائمة على القبول، والاحترام، والتقدير، والدعم، وعدم التخلي عنهم وقت الحاجة. يثمن جهودهم، ويعترف بعطائهم، ويمنحهم أجراً عادلاً يتناسب مع خبراتهم والجهود التي يبذلونها، ويراعي ظروفهم النفسية والاجتماعية والأسرية، إدراكاً منه أن الإنسان هو جوهر المؤسسة وقلبها النابض وركن أصيل وأساس متين في نجاحها.
وشتان بين مسؤول يرى الموظف مجرد أجير يمكن استنزافه واستغلاله دون اعتبار لإنسانيته أو نفسيته، وبين مسؤول يرى فيه شريكاً، فيحتويه، ويدعمه، ويصنع معه بيئة عمل صحية وآمنة. فالأول يقتل الانتماء، ويزرع النفور، وينتج موظفاً منفصلاً نفسياً عن منظمته ومنسلخ من الانتماء والولاء، أما الثاني فيبني الولاء، ويغرس المحبة، ويخلق حالة من التوافق والانسجام تدفع الموظف للعطاء بإرادة داخلية صادقة وهمة قوية.
وخلاصة القول: إن المسؤول المهتم يصنع الانتماء، ويحول العمل إلى مساحة نمو وكرامة وإنجاز، بينما المسؤول الغافل يبدده، ويجعل المنظمة عبئاً نفسياً على العاملين فيها. فالانتماء النفسي ليس ترفاً إدارياً، بل ركيزة أساسية للاستدامة، وجودة الأداء، ونجاح المؤسسات في عالم لم يعد يقيس التفوق بالموارد فقط، بل بالإنسان أولاً وأخيراً.
***
بقلم: د. أكرم عثمان
23-12-2025






