أقلام حرة

صادق السامرائي: فقهاء الكراسي والمآسي!!

الفقيه: العالم بأصول الشريعة وأحكامها، مَن يقرأ القرآن ويعلمه، العالم والعارف، ويطلق على المجتهد.

المآسي التي عانت منها أمتنا على مر العصور يذكيها الفقهاء المتزاحمون حول الكراسي المتسلطة، وكل منهم محمّل بما يريد قوله لتبرير المظالم وتأمين هيمنة وإستبداد وجور السلاطين بأنواعهم وبمسمياتهم، مهما كانوا من الآثمين.

فهم الذين يضفون الشرعية على الكراسي، ويغنمون الجاه والقوة والحماية والثروة والمكاسب الدنيوية الأخرى، والقليل منهم شذ عن ذلك، واتقى الله وآمن بالحق وما خاف في الحق لومة لائم، وهؤلاء هم الذين سطعوا وترسخوا في وعي الأجيال، أم أولئك المتعبدون في محراب الكراسي فقد ذهبوا مع الذين كانوا بهم يؤمنون، ولخطاياهم يبررون.

والمدونات الواردة من أعماق العصور تشير إلى المآسي التي إرتكبها السلاطين مؤزّرة بفتاوى الفقهاء الحائمين حول الكراسي، والمتنعمين بعطاءات مسخريهم لشرعنة أفعالهم الجائرة، وقرارتهم الضارة بالبلاد والعياد.

وما أكثر فتاواهم بوجوب طاعة السلطان، والخنوع لإرادته والإذعان، بل والركوع لكل غالب وذي قوة في البلاد، أيا كان سلوكه وما يأتي به من فساد.

ولا يزال فقهاء الكراسي فاعلين في أنظمة الحكم في عدد من دول الأمة، وبسببهم أصيبت المسيرة المعاصر بعثرات وتداعيات، لأنهم من المعوقات التي دفعت بالأجيال في أتون الإبتعاد عن إعمال العقل وإستعماله لمواجهة التحديات، فمعظمهم يأنس بتمويت العقول وتعطيلها، ومنعها من التفاعل والعطاء لأنهم يحسبون ذلك ضدهم.

وهم الذين منعوا الأمة من الإنطلاق في بداية القرن التاسع عشر عندما إعتبروا العلم بدعة منكرة، ولا يزال الكثير منهم على هذا التصور، ويتنعمون بما أوجده العلم من ضرورات تطوير الحياة وتسهيلها.

قد يرى البعض أن ما تقدم عدوانا على ثوابت، ومسلمات، لكنها أوصلت الأمة إلى الحضيض، وفقهاء الدين برون أن لا دين إلا دينهم، وأن على الدنيا أن تدخل في دينهم أفواجا، وهم يقدمون أسوأ الأمثلة التي تدحر الدين بالدين.

فهل سيبتعد الفقهاء عن الكراسي، ويتحرروا من سلوك الفتاوى البهتانية، ومن هو الواحد منهم ليخول نفسه بإطلاق فتاواه، وتضليل الآخرين بما يراه، إن الفتاوى بحاجة إلى مجالس علمية إفتائية ذات طاقات بحثية ومعرفية شاملة، ولا يمكن لشخص أن يكون مفتيا لوحده، فهذا إعتداء على الدين وأهله.

فهل من يقظة وإدراك؟!!

ولماذا إتخذنا القرآن مهجورا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم