أقلام حرة
شوقي مسلماني: استراح مَنْ لا عقلَ لهُ!
 
			بلسانِ الجعجعة وهي لسان الرحى قالَ: "لا تهرفْ بما لا تعرف - والهَرَفُ هو الإطناب في المدح والمثَل يُضرَب لمن يتعدّى الحدود في مدحِ الشيء قبلَ تمام معرفتِه - شرّ أيّام الديك يومَ تُغسل رجلاه - ويكون ذلك بعدَ الذبح والتهيئة للطبخ - يا إبن أمِّه إعلمْ إنّ الحوافر هي للملاكمة والحميرُ تُعرَف بالنهيق و"عندما يُطلِعُنا رجلُ العلِم على نتيجة تجربتِه يُطلِعُنا على كيفيّة إجراء تجربتِه أيضاً لكي يكون بمقدورِنا أن نجريها وإذا لم نحصل على النتيجة المرجوّة ذاتها فإنّ نتيجةَ تجربتِه لن نقبلَها كحقيقة". وبربرَ وزمجرَ وجرجرَ وبأْبأَ بفِيه وقال: "أظهرتْ تجاربي أنّ اللبيط عِلم ولكنّه عِلم قائم لذاتِه لا بذاته"!. وسمعَ إبنُ أمّه وقال: "تحكّكتِ العقربُ بالأفعى - والمثل يُضرَب لمن ينازع مَنْ هو أقوى وأقدر - ياااا إبن أبيه "إنَّ الغزال الذي يقف ساكناً ويتلقّى رصاصةَ الصيّاد التي تقتله لو يمتلك عقلاً واعياً لإستفاد منه وعرِف ما يجري ويُحاك له وأنقذَ حياتَه مِنَ الموتِ المحتّم"، إنّ الحوافر هي أيضاً للدّعْس والمعْس والفعْس والهرْس، أنتَ كالمربوط والمرعى خصيب؟!، خسئت، ليس اللبيط عِلم قائم لذاته بل هو عِلمٌ قائم بذاتِه ويُشرِف مِنْ أعلى برج الأسد على اللياقةِ البدنيّة والأمنِ والإستقرار، ما هكذا تُورَدُ يا سعدُ الإبل، و"قيل إنّ حماراً تنكّرَ في شبه أسد، فلّما رفعَ صوتَه وصاحَ عُرِفتْ حقيقتُه"، ويقولُ الزير قهّار المواكب.. رماني الدهرُ في كلِّ المصائب.. فلا تسمع أخي قولَ الأعادي.. لأنّ الضدّ شوره ليس صائب.. ويشورون عليك في رأيٍ وخيم.. ليسقوكَ أخي كأسَ العواطب"، وقالتِ إمرأةٌ لجارتها: "كيف صار الرجل يتزوّج بأربعة ويملك مِنَ الإماء ما يشاء والمرأة لا تتزوّج إلاّ واحداً ولا تستبدّ بمملوك؟، قالتْ: قومُ الأنبياء منهم والخلفاء منهم والقضاة منهم والشُرَط منهم فحكموا فينا كما شاؤوا وحكموا لأنفسِهم بما أرادوا"، "يا أحمق مِنْ ناطحِ الماء لا تشرب السمّ إتّكالاً على الترياق". ردّ إبنُ أبيه حانقاً: "مفتاحُ البطن لقمة" ومفتاحُ الشرّ كلمة لا نهقة، ويقولون للحمار: "حااااا" ويصبر، ويقولون له: "هِشششششْ"، ويصبر، فما العجب إذا أمسى لقمةً سائغةً في فم الأسد أو الفهد أو الضبع أو النمِر أو الذئب أو الثعلب أو إبن آوى أو إبن عُرس أو إبن كلّ عَرص؟، "إنّي آكل لحمي ولا أدعه لآكل". وقال رجلٌ لمزبّد: "إذا استقبلكَ الكلبُ في الليلِ فاقرأْ: يا معشرَ الإنسِ والجنّ إن استطعتم أن تنفذوا مِنْ أقطارِ السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلاّ بسلطان" - الآية 33 مِنْ سورة الرحمن - قال مزبّد: "الوجه عندي أن تكون معك عصا".
إرتعدتْ فرائصُ إبن أمّه وقال: "يا أختل مِنَ الذئب"، ردّ إبن أبيه قائلاً: "يا أحقد مِنَ الجمَل"، قال إبن أمّه: "أسدٌ اشتدّ عليه الحرّ فدخلَ في بعضِ المغائر يتظلّل، أتاه جرذٌ ومشى فوق ظهرِه، فنظرَه الأسد وضحكَ منه وقال: ليس مِنَ الجرذ خوفي وإنّما كبر عليّ احتقاره لي - أي أنّ الهوان على العاقل أشدّ مِنَ الموت - قال إبنُ أبيه: "وقفتْ بعوضةٌ على قرنِ ثور، وحين قالتْ: أثقلتُ عليك؟ أجاب: لا يهمّ، فنزولك مثل رحيلك".
وهكذا تهامزا وتلامزا حتى إستشعرَ إبنُ أمِّه إرهاقاً وطلبَ السلامةَ بالسؤال قائلاً: "ألا يُقال إلى أمّه يلهفُ اللهفان"؟ - والرجلُ يلهفُ إلى أهلِه، واللهفانُ هو المتحسِّر والمكروب - قالَ إبنُ أبيه: "الإيناسُ قبلَ الإبساس - ويقال للناقة قبلَ حلبِها "بس بس" والناقةُ التي تدرُّ على الإبساس تُسمّى "البسوس - قالَ إبنُ أمّه لذاتِه: "مَنْ خشي الذئبَ أعدّ كلباً"، وقال لإبن أبيه: "لماذا لا نذهب إلى كبيرنا الكونت - الخواجا - المهراجا - وهو يعثر لنا على العقل الذي ضاعَ بيني وبينك"؟!.
وطارا إلى وادي النار وجبلِ الكبريت وإذا حميتِ الشمسُ تغدو مثل جهنّم، ونظراه يُعلِّق على صدرِ إمرأةٍ حبلى إتّقاءَ ليليث - الجنيّة ليلى - الجناح الأيسر لدجاجة، وإنتظرا حتى زفرتْ وشهقتْ وخرجتْ. سجدا له وعرضا عليه ما أشكل عليهما. قالَ: "لا يحمل الحقدَ مَنْ تعلو به الرتب.. ولا ينال العُلا مَنْ طبعه الغضب. مَنْ طلبَ العُلا مِنْ غير كدّ.. سيدركها إذا شابَ الغراب". أليس ديننا يحثّنا إذا أُشكِل علينا أو غُرِّر بنا أن نقصد حومةَ الميدان ومَنْ يطعن خصمَه ويريحه مِنْ عمرِه أو يضربه على هامِه ويلقي رأسَه قدّامه تُضرَب له النوبات وتزغرد النساءُ والبنات ويكون على الحقّ فيما القتيل هو على الباطل والخزي والعار"؟، قال إبنُ أبيه لإبنِ أمّه: إنّ "مَنْ يضع نفسَه مواضع التهمة لا يلومنّ مَنْ أساءَ به الظنّ".
وإنطلقا إلى حومةِ الميدان، وقالَ إبنُ أمّه: "أنا البطل الرئبال"، وقالَ إبنُ أبيه: "أنا قومُ اللقا عندَ النطاح"، وإصطدما كأنّهما جبلان وتعاكستْ بينهما ضربتان وسقطا على الأرض أربع قطع. وقال سيّدُهما وقد رأى بأمّ عينيه وأبيهما: "إستراحَ مَنْ لا عقل له"!.
***
شوقي مسلماني







