أقلام حرة

غريب دوحي: قطار الموت..

يبدو هذا العنوان وكأنه عنوان رواية بوليسية للكاتبة البريطانية (اجاثا كريستي) وهي في الواقع رواية بوليسية حقيقية جرت على ارض العراق .

كان لانقلاب 8  شباط عام 1963م تداعيات كثيرة على جميع الاصعدة السياسية منها والاقتصادية والفكرية ذلك لان الانقلاب مؤامرة اشتركت فيها اطراف متعددة منها الداخلية التي تمثلت بالعناصر الرجعية والقومية وبقايا الاقطاع الذين تضرر"

مصالحهم بعد نجاح ثورة 14 تمور 1958م ومنها الخارجية العربية والأجنبية. وكان من تداعيات الانقلاب البيان رقم (13) الذي اذاعه الانقلابيون في البوم الاول من انقلابهم وقد دعوا فيه الى ابادة كل من يقاوم الإنقلاب ابادة جماعية فكانت موجة  الاعدامات وزج العناصر الوطنية في السجون مما زاد من حدة التذمر الشعبي وتدمر العناصر الوطنية داخل الجيش وقيام انتفاضة معسكر الرشيد بقيادة العريف حسن سريع  في 3/تموز عام 1963م التي كان فشلها سبباً في تبلور احداث جديدة اعطت قادة الانقلاب مميزات جديدة من اجل القيام بأعمال انتقامية بعد فشل الانتفاضة مباشرة ودفعتهم الى ارتكاب ابشع جريمة  في تاريخ العراق الحديث .

بعد فشل حركة حسن سريع زج الآلاف من الضباط الجنود والمدنيين المشاركين بالحركة في سجن رقم (1)  في معسكر الرشيد وكانت خطة حكومة شباط ارسالهم الى معتقل (نقرة  السلمان) الصحراوي في السماوة فقد اعدوا (15) عربة من قطار حموله قديم يستخدم لنقل الاغنام والحديد والاخشاب ووضعوا هؤلاء المعتقلين داخل هذا القطار واحكموا غلق ابوابه الحديدية وفي ساعة متأخرة من ليلة 3/4 تموز من عام 1963م استدعوا اقدم سائق قطار في العراق وهو عبد عباس المفرجي وابلغوه ان القطار يحمل مواد كيمياوية .

وقد اختلفت الروايات في عدد المعتقلين داخل قطار فقد روي ان عددهم كان 250 شخصاً، بينما ذكرت روايات اخرى ان العدد كان 520 بين جندي وضابط .

وكان ابرز المعتقلين العقيد غضبان السعد وقتيبة الشيخ نوري والرائد يحيى نادر الذي توفي داخل القطار ومن المدنيين مكرم الطالباني وسلطان ملا علي واعضاء من الحزب الديمقراطي الكردستاني وكان جميع المعتقلين بظنون انهم ذاهبون الى ميدان الرمي لتنفيذ حكم الاعدام بهم .

تحرك القطار فجر يوم 1963/7/4م وكان هدفه السماوة لان المدة التي تستغرق وصوله الى السماوة طويلة نا ساعات وهي كافية بقتل المعتقلين بسبب ارتفاع درجة الحرارة بحيث ان قادة البعث كانوا يراهنون على ان حرارة الشمس يمكن ان تقتلهم بعد ساعتين او ثلاث من شروقها على عربات القطار التي تحولها الشمس الى افران حديدية ملتهبة، اما الطبيب المعتقل رافد صبحي فقد نصح المحتفلين بعدم خلع ملابسهم كي يحافظوا على طاقاتهم .

قبل وصول القطار الى السماوة صعد شخص من اهالي المنطقة وابلغ سائق القطار ان حمولته ليست مواد كيمياوية او حديد بل بشر , فذهل السائق لهذا الخبر فأنطلق بأقصى سرعة وعند وصول القطار الى الديوانية هرع عدد كبير من المواطنين الى رش الماء على عربات القطار وعند السماوة زود الاهالي ركاب القطار بالماء والمواد الغذائية التي انقذتهم حتى وصولهم الى معتقل (نقرة السلمان) سالمين .

هذه هي قصة هذا القطار المشؤوم باختصار نكتبها للاجيال الجديدة التي لم تعاصر تلك الاحداث المؤلمة .

***

غريب دوحي

في المثقف اليوم