أقلام حرة
صلاح حزام: لماذا لا تحتاج بعض الدول المهيمنة الى احتياطيات بالعملات الصعبة؟

الاغلبية المطلقة من دول العالم تحتاج الى ان تمتلك ارصدة بالعملات الصعبة (القابلة للتحويل) لكي تستطيع الانخراط في عمليات التبادل التجاري الدولية.
السبب هو ان المصدّرين لتلك الدول يحتاجون الى الاطمئنان لضمان استلام مبالغ صادراتهم الى تلك الدولة. لذلك ترسل الدولة المستوردة رسالة اعتماد الى المصدّر لضمان تسديد مبالغه. ويقوم المصدّر بارسال تلك الرسالة الى البنك الذي توجد فيه ارصدة الدولة المستوردة والذي يقوم بدوره بابلاغ المصدّر بتوفر المبلغ وانه قام بحجزه لصالحهم وتحويله عند اتمام عملية التصدير.
لكن لو ارادت دولة مثل الولايات المتحدة (صاحبة الدولار) او بريطانيا (صاحبة الباوند) او احدى الدول الاوربية (صاحبة اليورو) او اليابان (صاحبة الين) ان تستورد، فهل سوف يطالبها المصدّر ببيان ارصدتها بالعملات الصعبة؟؟
الجواب هو لا، بالطبع، لان عملاتها الوطنية هي عملات صعبة وقابلة للتحويل في كل العالم ومقبولة ومأمونة !!
الدول الأخرى تحتفظ بعملات تلك الدول المختارة كارصدة، فلماذا تحتفظ هي بعملات اجنبية كأرصدة؟؟
هذه ميزة عظيمة تمتلكها تلك الدول وتقاتل بشراسة للحفاظ عليها... هذه الميزة تم منحها للولايات المتحدة (الدولار) في اتفاقيات برتن وودز في الاربعينيات بعد انتها الحرب العالمية الثانية ودمار معظم اقتصاديات العالم ماعدا الاقتصاد الامريكي الذي ازدهر بسبب ازدهار الانتاج بكل اشكاله لتغذية آلة الحرب. لكن كانت هنالك مخاوف من استغلال تلك الميزة والتوسع في طبع الدولار. لكن الولايات المتحدة تعهدت باحترام قواعد الرصانة النقدية اضافة الى كونها كانت الدولة الاقوى المهيمنة على العالم الغربي الذي كان ينتظر العون الامريكي لاعادة البناء.
في سنوات لاحقة خشي الاقتصادي الامريكي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، ميلتون فريدمان، من استغلال هذه الفرصة والذهاب الى الطباعة تحت ضغوط العجز ودعا الى تعديل الدستور الامريكي واضافة مادة تحرّم طبع العملة لكنه لم ينجح بالطبع.
في وقتنا الحالي بدأ التذمر يتصاعد بين دول العالم من هذا الوضع الذي يجعل تلك الدول المختارة قادرة على شراء موارد حقيقية مقابل اوراق تطبعا بسهولة (والآن لايحتاجون الى الطباعة بل الى الاصدار النقدي الكترونياً وتداول ارصدة وتحويلات على الهواء دون وساطة عملات نقدية خاصة مع انخفاض حصة العملة في التداول من عرض النقد الكلي الى نسب متدنية جداً والاعتماد على التداول الالكتروني).
دول صاعدة بقوة مثل الصين وروسيا والهند ترفض استمرار هذا الوضع وبدأت بخطوات بهذا الاتجاه منها التبادل التجاري فيما بينها بعملاتها المحلية (يوان وروبل وروبية) واستبعاد عملات الدول الغربية من ذلك التبادل . ومنها اصرار روسيا على تسديد قيمة مبيعاتها من النفط والغاز الى بعض الدول بالروبل وذلك لاجبارها على طلب الروبل واضافته الى احتياطياتها لكي تستخدمه في التسديد الى روسيا...
بعض الصراعات والتوترات بين الدول الكبرى قد يكون لها وجه سياسي او عسكري او ايديولوجي، لكن جوهرها هو الصراع الاقتصادي..
الغرب المهيمن صاحب العملات القابلة للتحويل يرفض الاعتراف ببروز حقائق جديدة وقوى جديدة. ذلك السلوك وهذه النزعة من الدول الغربية ومن الدول الناشئة تهدد السلم العالمي.
***
د. صلاح حزام