أقلام حرة

عبد السلام فاروق: عاصفة من الأسئلة.. أين ذهبت رجولة الفن المصري؟

هل أصبح فنانو مصر دمى متحركة في سوق "الموضة" العالمية، يغيرون جلودهم مع كل نسمة غربية عابرة؟ أم أننا أمام تمرد مفتعل على هويتنا، يلبس ثوب "الحرية الشخصية" بينما جذوره اغتراب عن تراب الوطن؟! 

لم تعد المسألة مجرد "حلق أذن" أو "ملابس صارخة"، بل هي زلزال يهز أركان مفهوم الفن الرجولي الذي صنعه عمالقة مثل يحيى شاهين وفريد شوقي، الذين جسدوا الرجولة بكرامة الوقفة، لا بتهافت المظهر. أولئك الذين ارتضوا أن يكونوا مرايا لوجدان الشعب، لا نوافذ مكسورة تطل على قيم مستوردة!

يدعي البعض أن ارتداء الرجل للحلق أو الملابس الأنثوية هو "حق شخصي"، وكأننا نعيش في جزيرة منعزلة! أينشتاين قال: "الحرية ولدت مقيدة"، فكيف بفنان يمتلك أعين الملايين؟! إن اختيار النجم أن يكون دمية في كرنفال الموضة الغربية ليس حرية، بل استلاب يبيع الهوية بثمن صورة سيلفي. 

أما آن الأوان أن نسأل: لماذا يتحول الفنانون فجأة إلى سفراء لـ"ثقافة الاستهلاك" الغربية، بينما مهمتهم صناعة فن يعبر عن روح شعب له ألف عام من التاريخ؟! هل رأيتم فريد الأطرش أو عمر الشريف يلهثون وراء "موضة" تتعارض مع وقارهم؟ 

فنانون.. أم مهرجو السيرك؟ 

الخطير في الأمر ليس تغيير المظهر، بل تحويل الفن إلى ساحة لـ"العبث بالذات"، وكأننا في سباق لتقليد كل ما يصلنا من وراء البحر! حين يرتدي الفنان حلق الأنف أو الأذن، فإنه لا يموضع نفسه فحسب، بل يدفع آلاف الشباب إلى حافة الانهيار الثقافي، ظنا منهم أن "التمرد" يقاس بغرابة الزي! 

أليست مصر التي أنجبت طه حسين وأم كلثوم أولى بأن تحمي فنها من أن يصير مسخًا؟ أم أننا صرنا نستورد حتى مفاهيم الرجولة من على منصات "إنستجرام"؟! 

العبث بالذات.. أم العبث بالوطن؟

لا يخطئ من يرى في هذه الظاهرة رائحة استعمار جديد، يغزونا بـ"ثقافة الفرجة" بدلًا من المدافع. الغرب يبيع لنا سمه في علب ملونة باسم الحرية، ونحن نهتف: "اشربني"! 

أما آن للفنان أن يتذكر أنه ابن النيل، لا ابن "نيويورك"؟ أن يدرك أن الرجولة ليست قماشًا يخاط على المقاس، بل شرف يحمله في قلبه قبل مظهره. 

هل ننتظر حلق السرة؟! 

إذا كان هذا هو "الفن الجديد"، فليعلم أصحابه أن الشعب المصري، الذي حفظ ترانيم الثورة والمقاومة، لن يقبل أن يستبدل فن الكرامة بفن "الكاريوكي الثقافي". 

فليحذر الفنان أن يتحول من نجم في سماء الوطن، إلى شهاب ينطفئ في سماء الغرب. ولتذكر الأجيال أن مصر العظيمة تبنى برجال يرفعون رؤوسهم مع الشمس، لا بمن ينحنون لريح الموضة العابرة! 

كفى استهانة بذوق الشعب! فالفن الحقيقي لا يقاس بغرابة الإكسسوارات، بل بعمق الرسالة، وصدق الهوية.

الانحدار إلى الحضيض...!" 

إذا كان سقوط الأمم يقاس بقدر ما تسمح به من انتهاك لكرامتها، فمصيرنا—يا سادة—أن ندرس في كتب التاريخ تحت باب: "شعوب أحرقت تروسخها بأيديها"! فما كان من محمد رمضان إلا حلقة في سلسلة العار التي صرنا نتبارى في صنعها، وكأن الوطن صار مهرجاناً مفتوحاً للانبطاح! 

أتعرفون ما الفرق بين "الخول" قديماً و"الخول" حديثاً؟ الأوائل كن ضحايا نظام ذكوري قاس، فنفين إلى الصحراء كي لا يشوهن صورة "الدولة الحديثة"، أما اليوم، فـ"الخول" الجدد يصعدون على أكتاف الإعلام، ويرقصون على أنقاض هيبة الوطن، بدعم من نخبة تعتبر الهوية المصرية "برانداً" يعبأ في زجاجات العهر! 

لن أذكركم بأن الجنيه المصري—الذي داس عليه رمضان—يحمل صورة كليوباترا، ملكة لم تسكن قصورها الذهبية، بل خرجت تموت بلسعة أفعى كي لا تركع لروما! لكن رموزنا اليوم صارت أضحوكة: كليوباترا ترقص على الدولار، والعلم يهان في حفلات من يبيعون أوطانهم بقطع نقود! 

أَما آن لكم أن تفهموا؟! حين يلقى القبض على شاب لأنه "حرق علم إسرائيل" على فيسبوك، بينما يكافأ من يدوس على علم مصر في الواقع، فاعلموا أن البلاد صارت تحاكي بها المثل الشعبي: "اللي إيده في المية مش زي اللي إيده في النار"! الفرق أن أيدينا—يا ناس—مغموسة في الوحل! 

التاريخ يضحك علينا ساخراً: محمد علي باشا الذي طرد الراقصات خشية على "الأخلاق"، لو عاد اليوم لرأى أن "الأخلاق" صارت تدار بميزانية وزارة الثقافة، وأن "الفن" صار سجالاً بين رقابة خائرة وفنانين محتالين! حتى أحمد شوقي—أمير الشعراء—الذي كتب: "مصر أم الدنيا وسفر الخلود"، لو سمع أغنية لرمضان لكتب: "مصر أم المهرجانات ومزبلة الوجود"! 

السؤال المفزع: من يربح من تحويل الوطن إلى ساحة سيرك؟! هل هم أصحاب رؤوس الأموال الذين يستثمرون في " ترويج الانحطاط "؟ أم الساسة الذين يحتاجون شعباً مستلهماً بالتفاهة كي ينسى حقوقه؟ أم أننا نحن—الشعب—الذي صرنا نقايض كرامتَنا بتذكرة دخول حفلة هابطة؟! 

في النهاية لا تعتقدوا أن العار يموت بصمت! التاريخ يكتب الآن فصلاً جديداً عن أمة كانت عظيمة، فإذا بها تسقط نفسها بسكينة من يغرسون السكين في ظهرها. فإما أن نستفيق ونرجم كل من يتاجر بدماء الأجداد، أو ننتظر حتى تتحول رموزنا إلى "ميمات" ساخرة تباع في سوق النت...

***

د. عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم