أقلام حرة

علي حسين: تذكروا أنكم بشرٌ

كعادتي كل صباح اقرأ عمود الكاتب الصحفي سمير عطا الله في الشرق الأوسط، وهو يجمع بين السياسة والأدب والفلسفة، وفي عموده قبل يومين تناول موضوعة القادة الذين يتوهون ان عقولهم ارقى واهم من عقول مواطنيهم، هؤلاء الذين امتلأت بهم حياتنا يصدرون لنا خطبا فارغة ولهم مدرسة واحدة يحددها سمير عطا الله بانها " مدرسة السطوة "، وهؤلاء يوهمون شعوبهم بانهم " أعظم الأدمغة " في البلاد.

في موسوعته الشهيرة " صعود وسقوط الإمبراطورية الرومانية " يكتب المؤرخ إدوارد غيبون انه كلما عاد قائد من قواد الامبراطورية الرومانية منتصرا في الحروب وهرعت الناس لاستقباله، يتقدم الجموع الخطيب والفيلسوف سينيكا ليقول له بصوت واضح: تذكّر أنك بشر.

تسقط الدول والانظمة حين يختلّ فيها ميزان العدالة، فالقانون في الأمم المتحضرة هو عنوان التوازن في العلاقة بين الحاكم والناس، فالـمالك الدائم للبلاد هو المواطن، أما المسؤول فهو صاحب وظيفة ذات مسؤولية محددة وواضحة هي: الحماية من الخلل في كل أبواب العمل، في العدل أولًا، وفي معيشة الناس ثانيًا، لأنّ بهذين العدلين وحدهما تستقيم العلاقة بين المسؤول والمواطن.

كان الإمام علي اثناء توليه الخلافة يتفقد الناس في الأسواق فشاهد ذات يوم تاجراً يهودياً يبيع درعاً حربياً، نظر الإمام إلى الدرع جيداً، تعرف عليه، هو درعه الذي فقد منه في إحدى المعارك، ولم يجده بعدها أبداً، قال لليهودي: هذا الدرع درعي. رد اليهودي: لا ليس لك، وإذا أردت أن تشتريه فاشتره. وعندما اصر الخليفة ان الدرع ملكه طلب التاجر أن يحتكما إلى القضاء، وفي دار القضاء أمر القاضي شريح، الخليفة أن يقف إلى جانب خصمه وقال له: ما هي قضيتك ؟. قال الامام: ان هذا الدرع سقط مني يوما. رد اليهودي: لا، هذا الدرع أنا اشتريته، وأريد أن أبيعه. قال القاضي: يا أمير المؤمنين، أعندك من يشهد لك. قال الامام: نعم، عندي ولدي الحسن. رد القاضي: لا نقبل شهادة الولد لأبيه، هل عندك شاهد آخر؟ قال: لا. قرر القاضي ان الدرع ملك للتاجر اليهودي. انتهت الحكاية وذهب القاضي الى بيته آمنا، فيما التاجر لم يصدق ان خصمه خليفة للمسلمين، وان القاضي يحكم له وليس لصالح الخليفة.

كان العراقيون ينتظرون نهاية حقبة الدكتاتورية، كي يخرجوا إلى النور، فقد أرهقتهم الحروب والمقابر الجماعية، وبلغت أثمان القادة العباقرة مئات الآلاف من الضحايا، فإذا بهم يجدون أن الوطن يختطف من قبل ساسة مصرّين على أنهم الأوصياء على أحوال الأمة والعباد وان عقولهم " توزن بالذهب

***

علي حسين

في المثقف اليوم