أقلام حرة
صادق السامرائي: شخصية المعتمد على الله!!
أبو العباس (أبو جعفر) أحمد بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد (229 - 279) هجرية، وتولى الخلافة (23) سنة، (256 - 279)هجرية، وكان عمره (27) سنة حينما أخرجوه من سجن الجوسق وبايعوه خليفة بعد قتل المهتدي بالله.
"إستعمل أخاه الموفق طلحة على المشرق وصير إبنه جعفر وليا للعهد وولاه مصر والمغرب، ولقبه المفوض إلى الله"
"إنهمك المعتمد باللهو والملذات، وإشتغل عن الرعية، فكرهه الناس وأحبوا أخاه طلحة"
"وفي سنة (269) هجرية إشتد تخيل المعتمد على أخيه الموفق"
وإستفحل الشك بينه وبين أخيه الذي كان قوة الدولة وعمادها، والذي حاول أن يحررها من قبضة الأتراك في سامراء، فأنهكهم بالحروب، وقد كانت بينهما مواجهات سنة (264) هجرية إنتهت بالصلح، لكن المعتمد تمكن منه الشك حتى خرج يريد محاربة أخيه، وهو في عز منازلاته مع أعداء الدولة العباسية والخارجين عليها.
وهنا لابد من وقفة، لأن قراره غير حكيم، وربما يشير إلى أنه يتعاطى الخمر بإستمرار، وأن للخمر تأثير عليه طيلة الوقت، فهو منهمك بالملذات واللهو ولا يعنيه من أمر الرعية سوى أنه الخليفة، الذي يتمتع بما في قصر الخلافة من اللهو والشراب.
وبعد هذا السلوك تحول إلى أسير وهو يصف حاله شعرا فيقول:
أ ليس من العجائب أن مثلي....يرى ما قلّ ممتنعا عليه، وتؤخذ بإسمه الدنيا جميعا ...وما من ذاك شيئ في يديه، إليه تحمل الأموال طرا...ويمنع بعض ما يجبى إليه"!!
"وهو أول خليفة قهر وحجز عليه ووكل به"
وفي سنة (270)هجرية، أعيد إلى سامراء، لكن أمره ضعيف، وتمكن منه فيما بعد أبي العباس إبن الموفق الذي يرى أنه أحق بولاية العهد، فأجبره على أن يخلع إبنه المفوض إلى الله، ويعهد إليه بالخلافة من بعده وسماه المعتضد بالله، وتوفى ربما (مسموما) بعدها بأشهر.
ومن غرائبه أنه بقي في الخلافة (23) سنة، وذلك لأنه ترك أمر الدولة للقادة الأتراك، وإنشغل باللهو والملذات، وعلى الأرجح أنه كان مدمنا على الخمر، لأن معاداته لأخيه الموفق الذي ثبّت أركان الدولة خالية من الحكمة، خصوصا موقفه الأخير الذي قرر بموجبه الخروج لمحاربته والتخلص منه، وهو في ميدان القتال ضد المناوئين للدولة العباسية، مما يشير إلى أن الخمر ربما أخذ مأخذه منه، كما أنه بقي بعد ذلك بلا قدرة على إتخاذ قرار كالمنوَّم، حتى حانت نهايته.
هذه المدة في الخلافة في زمن الفوضى العاصفة في سامراء تدل على أنه كان معزولا، وبعيدا عن إتخاذ أي قرار مهم، فالأمر بيد أخيه الموفق وعند القادة الأتراك القابضين على السلطة، وما هو إلا رمز بإسمه يتم لهم تحقيق ما يريدون.
وما عليه إلا أن يهجع في دار الخلافة وينغمس بلهوه.
ويمكن القول بأنه كان شخصية إذعانية خانعة ومنقطعة عما حولها، وما يهمها إشباع رغباتها الآنية، والتمتع بالخلافة كفرصة للعبث والتفاعل المخمور مع ما لذ وطاب، ومع الجواري والغلمان وحسب.
وقد يقول قائل أن هذا إجحاف بحقه، لكن المدونات التأريخية لا تخبرنا عما هو عزيز وأبي في سلوكه، وأنه كان يريد النيل من أخيه المقاتل المغوار، وإبن أخيه الذي كان يرافق الموفق في مواجهاته مع الأعداء.
أما إنجازاته الأخرى فلا تتجاوز أنه بنى قصر العاشق أو المعشوق، ليكون محل أنسه ومتعته وغرامياته، ولم يهنأ به طويلا.
فقد عاش كالأسير فيه أو بقربه، وكان موكلا به، وكأنه أمضى معظم خلافته في الإقامة الجبرية!!
وما أغرب المدوّن في كتب التأريخ، وكأن المؤرخين يكتبون بمداد جيوبهم!!
***
د. صادق السامرائي
23\2\2021