أقلام حرة

صادق السامرائي: التواصل والرحيل!!

من الملاحظات المؤلمة، أن تشاهد العديد من المشاركات على صفحات التواصل الإجتماعي بأنواعها، لأصدقاء ومعارف، ويأتيك بعد حين بنعيهم!!

بغتةَ أخذت تنهال أخبار أحد الزملاء و بعد أيام، يردني خبر وفاته، وتكررت الحالة مع أكثر من زميل وصديق ومَن أعرفهم، حتى أصبحت أخشى من متابعة صفحات الفيس بوك وأخواته.

زميل بدأ يلقي أحاديثا مسجلة في موضوعات إختصاصه، وكانت أسبوعية وأحيانا يومية، وبعدها أسمع  نبأ وفاته.

وزميل آخر راح ينشر ما يقوم به، وتردني منه صور عن نشاطاته العلمية، وما أنجزه، وأنا في خضم متابعته، وإذا بخبر وفاته يباغتني.

وأحد الكتاب الذين أتابعهم، تواصلت منشوراته بكثافة، ثم إنقطع فجأة، وإذا بخبر وفاته يتصدر بعض الصفحات.

وشخص أعرفه، وصديقي يحدثني عنه، كلما تهاتفنا، وبدأ يجري العديد من اللقاءات مع محطات تلفازية، ويلقي الأحاديث عن الواقع وما سيحصل، ويبث أفكاره، لكن خبر وفاته كان سبّاقا.

ومن الذين أعرفهم، كان له باع طويل في التحليلات وإبداء الآراء عن الأحداث الجارية في الدنيا، وله مئات الآلاف من المتابعين، لكنه توقف، وجاءني نبأ وفاته، لأنه يعاني من مرض عضال.

ومؤلف آخر ومجتهد في الدفاع عن لغة الضاد، إزداد نشاطه في طبع كتبه، وحاول أن يطبع كل شهر كتاب، وما هي إلا بضعة أشهر، حتى يظهر الإعلان عن وفاته!!

هذه ظاهرة سلوكية، برزت بسبب وسائل التفاعلات الإجتماعية الجديدة، وما أكثر محطات (اليو تيوب) التي يبث منها أصحابها، ما يتصورون بأنه سيخلدهم في الدنيا الفانية حتما.

الزمن المعاصر تساوت فيه (الكرعة وأم الشعر)، فلن ينفع التأبد فوق التراب أي نشاط وتعبير عن المحتوى، فالدنيا تدور بسرعة وتتطلع للأمام ولا يعنيها ما وراء الظهور.

وهكذا فالخشية ترافقني عندما أتصفح ما تحمله صفحات التواصل لأن الأشخاص ينعون أنفسهم، وكأن واحدهم، مالك بن الريب الذي نعى نفسه بقصيدته المعروفة!!

ولا شيئ يبقى فوق أرض تدور، فهي أعظم خلاط كوني، تمزج العناصر وتستولدها الجديد!!

فارحموا أنفسكم يا أولوا الألباب!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم