أقلام حرة

علي حسين: الغرق في الشعارات

قرأت تعليقاً كتبه الكاتب والمترجم شاكر راضي على مقالي ليوم أمس "كيف ننجو" أشار فيه إلى أنه شاهد في العاصمة السنغافورية تمثالاً للزعيم الفيتنامي هو شي منه، وعندما سأل أحد المواطنين ما الذي أتى بهذا الرجل في بلادكم، أجاب هذا المواطن أن "هوشي منه فرض نفسه على التاريخ والجغرافية ولا بد للشعب في سنغافورة أن يتعلم الدروس من الآخرين ".. في واحدة من أبرز مواقفه رفض باني سنغافورة لي كوان أثناء حياته أن توضع صورته في الساحات أو أن يقام له نصب.. وكان يقول لمن يريد أن يكرمه :" إن صورتي موجودة في كل شوارع وميادين سنغافورة..يشاهدها المواطنون في العمران والشوارع والجسور والدخل المرتفع وفي التعليم والصحة والخدمات ".. في بلاد الرافدين الصورة تسبق المنجز، بل أنها في كثير من الأحيان تكون بديلاً لأي عمل.

ما تزال النظارة التي تشبه نظّارة المتقاعدين، ومعها ساعة جيب قديمة، ومجموعة كتب، تجد لها مكاناً بارزاً في متحف فيتنام الوطني، لأنها تخص شخصية لا يزال معظم الشعب الفيتنامي مغرماً بسيرتها، وأعني بها هوشي منه،الثائر والزعيم السياسي الذي أسس فيتنام الحديثة.

ساعة قديمة ونظّارتان هي كل ما يملك، فقد كان يقول ضاحكاً للذين يسألونه عن حالة التقشف التي يحيط بها نفسه، حتى بعد أن وقفت الحرب وأصبح زعيماً للبلاد: "الزعامة ليست في حاجة إلى المال، إنها بحاجة أكثر إلى عقل يفكر جيداً."

وأرجوك ألا تقارن بين ما قاله هذا الرجل النحيل، الذي ترك بلداً يتقدم بقوة إلى عالم الرفاهية، وبين ما نهَبه اليوم رجال السياسة في العراق، إذ دخل النهب للمال العام في أبشع أشكاله إلى العراق.

خاضت فيتنام حرباً شرسة ضد الأميركان راح ضحيتها مئات الألوف، وماتزال صور المآسي تحتفظ بها هانوي في متاحف خاصة، فيما تعجّ العاصمة الفيتنامية اليوم بالسيّاح الأميركيين والاستثمارات الأجنبية، وعادت سايغون مدينة تفتح ذراعيها للجميع.

يخبرنا كاتب سيرة هوشي منه أن الزعيم الفيتنامي كان يقول للقادة العسكريين والمقاتلين أن "تحرير البلاد ليس منّة يتحملها الشعب، إنه واجب علينا أن نقدمه بلا خُطب، فالتاريخ لا يصنعه شخص واحد."

تقول الأخبار إن فيتنام اليوم واحدة من أكبرعشرة شركاء تجاريين لأمريكا. والصادرات الرئيسية، أصبحت الآن أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة وغيرها من المنتجات الإلكترونية.إنه أحد أكثر التحولات الاقتصادية إعجازية في التاريخ، والذي أسفر عن تضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فيتنام أكثر من خمسة أضعاف، من 2100 دولار إلى 11400 دولار. فيما نسبة البطالة في بلاد الرافدين في ارتفاع مستمر، مثلها مثل ارتفاع الشعارات في ساحات العراق.

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم