أقلام حرة
عبد السلام فاروق: قرارات مثيرة للجدل
لا حديث للناس هذه الأيام إلا قرارات وزارة التعليم الأخيرة.. أولياء أمور وطلاب لم يعد لهم من هم إلا الحديث عن هذه القرارات. ومعلمون لبعض المواد الدراسية سيغلقون أبواب مراكزهم التعليمية الخاصة بعد أن ألغيت هذه المواد أو تم تجنيبها من المجموع الكلي!
سوف تنتهي موجة الجدل، وسيتم تنفيذ القرارات. لكن هل سينصلح حال التعليم بتلك الطريقة التي نجرب فيها كل مرة صيغة إصلاحية، فلا يأتي الإصلاح إلا بمتاعب جديدة.
القرارات شملت جميع المراحل، لكنها ركزت على المرحلتين الثانوية والابتدائية. وبالطبع انصب اهتمام الناس بمتابعة ما يخص المرحلة الثانوية لأنها الأكثر تأثيراً على مستقبل الطلاب.
في وقت حرج
جاءت القرارات، التي أراها متسرعة، قبيل بدء الدراسة بنحو شهر واحد! وهو الأمر الغريب والمثير للدهشة. إذ سوف تترتب عليها أشياء خاصة بطباعة كتب حكومية وملخصات دراسية، وترتيبات خاصة بتنظيم أوقات الدراسة في المدارس الثانوية والإعدادية، بسبب عودة الفترة المسائية.
القرارات لم تلتفت للضرر الكبير الذي سيحدث للعديد من العاملين في قطاع التعليم. حتى لو كان بعضهم ينتمون لمؤسسات خاصة. كل الملخصات التي تمت طباعتها على النظام القديم سوف تصبح في خبر كان. كل مدرسي المواد التي ألغيت صار عليهم البحث عن مهنة أخري، أو الشروع في تدريس مادة أخري يستذكرونها من الآن.
المبادئ التي قامت عليها القرارات في مجملها مبادئ لا خلاف عليها: مثل تخفيف المناهج، وبث مشاعر الانتماء بالاهتمام بمادة التاريخ، وتقليل كثافة الفصول، وربط التعليم بسوق العمل. كل هذا جيد، لكن ألم يكن التدريج في التنفيذ أولي من طريقة الصدمة التي تمت؟!
الصف الأول الثانوي تم تخفيف مواد الدراسة إلى ستة مواد بدلاً من عشرة، بعد إعادة تصميم المناهج وإلغاء مادتي الأحياء والجغرافيا، وجعل اللغة الأجنبية الثانية مادة نجاح ورسوب خارج المجموع، وضم الكيمياء والفيزياء في مادة واحدة اسمها: "العلوم المتكاملة"!
وانسحبت القرارات بطبيعة الحال على الصفين الثاني والثالث الثانوي. فيتم تقليل مواد الصف الثاني الثانوي، بعد تقسيمه إلى شعبتين: علمي وأدبي، إلى ستة مواد بدلاً من ثمانية. فتعاد مادة الأحياء لشعبة العلمي، ويعاد تصميم مادة الرياضيات لتصبح مادة واحدة. كما تتم إعادة الجغرافيا للقسم الأدبي. وتظل اللغة الأجنبية الثانية مادة نجاح ورسوب.
وبالنسبة للصف الثالث الثانوي ثلاثة مواد تصبح مواد نجاح ورسوب، وهي: الجيولوجيا، والمادة الأجنبية الثانية، وعلوم البيئة. كما يعاد تصميم مادة الرياضيات لتصبح مادة واحدة. هكذا يدرس طلاب شعبة علمي علوم خمسة مواد بدلاً من سبعة: وهي اللغتين العربية والإنجليزية، ومواد العلوم الثلاثة. وشعبة الرياضيات نفس المواد بعد استبدال الأحياء بالرياضيات. أما الشعبة الأدبية ستصبح مادة علم النفس مادة نجاح ورسوب، فيتم تخفيف المواد إلى خمسة بدلاً من سبعة، وهي: اللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة للتاريخ والجغرافيا والإحصاء.
تخفيف الكثافة
لأجل استغلال فصولها لمرحلة الإعدادية، قررت وزارة التعليم نقل المدارس الثانوية جميعها للفترة المسائية! بينما يتم استغلال المدارس الإعدادية لصالح المدارس الابتدائية.
ومهما كان الأمر في نظر الوزارة يحل مشكلة التكدس، لكنه سيتسبب في مشكلة أخري بالنسبة لأولياء الأمور هي مشكلة المواصلات، إذ سيصبح على تلاميذ الابتدائي والإعدادي الانتقال إلى مدارس أبعد لم يعتادوا على الانتقال إليها، وسيكون على الإدارات المنفذة للقرارات مواجهة أولياء الأمور بمبررات واهية تمتص الغضب ولا تشفي الصدور.
أما أيام الدراسة فسوف تزيد يوماً، لتصبح خمسة أيام تعليم أكاديمي، بالإضافة ليوم سادس للأنشطة. وشملت قرارات الوزارة استخدام فكرة الفصل المتحرك المعمول بها في بعض الدول؛ من خلال تحريك فصل في المرحلة ليكون في غرفة نشاط أو تربية رياضية، وهو ما سيقلل الكثافة. هكذا ستنخفض الكثافة بنسبة كبيرة بحيث تصبح كثافة الفصل من 69 طالب إلى أربعين.
هذا وقد اكتشفت الوزارة من خلال هيئة الأبنية التعليمية وجود فراغات كثيرة بالمدارس يمكن استغلالها لإقامة فصول جديدة بمدارس قائمة، مما سيسهم في تقليل الكثافة الطلابية.
كل هذا جيد ولا غبار عليه. وإن كانت حلولاً توضع في خانة الحلول المؤقتة، فلا أقامت الوزارة مدارس جديدة، ولا هي خففت على أولياء الأمور متاعبهم، بل أثقلت عليهم بأحمال جديدة. وإن كان المظهر العام سيبدو تخفيفاً في كثافة طلاب ربما سيؤثرون عدم الذهاب لمدارس بعيدة لم يتعودوا عليها ولم يألفوها!
زيادة أعداد المعلمين
لعلها القرارات الوحيدة التي قوبلت بفرحة كثير من الخريجين.. فقد أكدت الوزارة التزامها بالمبادرة الرئاسية لتعيين 30 ألف مدرس سنوياً. يضاف لهذا أن الوزارة قررت تفعيل قانون مد الخدمة للاستفادة من خبرة المعلمين الذين بلغوا سن المعاش ليستمروا سنوات أخري إذا شاءوا. أكثر من هذا أن القرارات شملت الاستعانة بعدد 50 ألف معلم بنظام التعاقد بالحصة. مع توجيه الإدارات لإعادة توزيع أنصبة الحصص لتجنب الهدر.
شملت قرارات الوزارة بعض التعديلات في مناهج المرحلة الابتدائية، منها ضم المرحلة الثالثة الابتدائية لنظام امتحان الترمين. وتخصيص مائة درجة للتقييمات الشهرية، تلك التي يستغلها المدرسون في العادة للضغط على طلابهم لحضور مجموعات التقوية، مع إضافة لون جديد للتقييم لتصبح أربعة ألوان بدلاً من ثلاثة: (الأزرق، والأخضر، والأصفر، والأحمر)!
أما المناهج التي أقرتها الوزارة للمرحلة الابتدائية فهي: (اللغة العربية، اللغة الإنجليزية، التربية الدينية، منهج متعدد التخصصات، الرياضيات، التربية البدنية والصحية، أنشطة التوكاتسو).
خارج التصنيف
بالعودة عدة سنوات للماضي، دعونا نتذكر ما حدث بسبب قرارات أكثر ثورية قام بها أكثر وزير إثارة للجدل، الدكتور طارق شوقي. فما الذي حدث كنتيجة لمثل تلك القرارات؟!
الذي حدث أننا أصبحنا اليوم خارج التصنيف الدولي لجودة التعليم، فما نفعله في أبنائنا لا ينتمي لبند تطوير التعليم، بل تخريب وتجريب غير مدروس. إن مناهج الابتدائي التي ادعي الوزير القديم تطويرها تحولت إلى لعنة عند المعلمين وأولياء الأمور والطلاب، وبات تخفيف أو تعديل هذه المناهج من جديد يعني العودة لمناهجنا السابقة وهو أمر لم يعد ممكناً الآن!
ثم نظام التابلت في الثانوي، بعد أن أثبت عدم فاعليته وجدواه، وبات أمر إلغائه مسألة وقت لا أكثر. هل كان مؤشراً للتطوير؟ هل تحسن مستوى الطلاب والخريجين؟ نتائج الكليات تقول إن الذي حدث هو العكس، وأن كثيراً من الكليات أعلن نتيجة مؤسفة رسب فيها طلاب كثيرين من طلاب السنة الأولي في هذه الكليات، وأكثرها من كليات القمة!
نحن نسير في مجال التعليم من سيء إلى أسوأ. وكلما أردنا إصلاح أو رتق عيب من العيوب تظهر عيوب أخري ومشكلات لا تنتهي إلا لتبدأ. كثيرون يقولون إن كل هذا الذي يحدث لا يصب إلا في مصلحة التعليم الخاص والدولي ومدارس اللغات والجامعات الخاصة. لأنها وحدها التي تهيئ لطلابها ظروفاً أفضل للتعليم مقابل ما يدفعونه من آلاف الجنيهات أو الدولارات!
هكذا بات التعليم الحكومي في مهب الريح. وتم سحق الطبقة المتوسطة لصالح طبقات تستطيع توفير مناخ تعليمي مريح لأبنائها، وهي طبقات مترفة لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جداً من الشعب. كثير من الناس اليوم يفكرون في نفض أيديهم من التعليم، وتوفير أموالهم التي ينفقونها على تعليم أبنائهم في نفقات أخري، وهكذا سوف نجد أعداداً غفيرة في المستقبل من أطفالنا يتسربون من التعليم ويتجهون للمهن الحرة والحرف، أو ربما ما هو أسوأ!.
***
عبد السلام فاروق