أقلام حرة

علي حسين: ركب دراجته ومضى

إذا كنت مثل جنابي تعيش في بلاد الرافدين حيث ضابط برتبة عميد يمكنه ان ياخذ معه رتل من الحمايات ليتجول في الكرادة، وينظر بعين الرضا الى حالة التعجب التي ترتسم على وحوه المواطنين .. فانت حتما ستشعر بالأسى وانت ترى رئيس وزراء هولندا الذي ودع المنصب قبل ايام قليلة، يخرح من مقر رئاسة الوزراء ليستقل درجاته الهوائية عابرا عشرات الحضور في الشارع. ياعزيزي القارئ هل ستشعر بالاسى مثلي او تضحك على رئيس وزراء يرفض ان ترافقه عشرات السيارات المصفحة ومعها افواج من الحمايات ..، ورغم كل هذه الكوميديا فأن المواطن العراقي يفتقد لـ"حكم" و"مآثر" إبراهيم الجعفري الذي اختفى في نعيم لندن، بعد أن أعطى لهذا الشعب خطباً عن المارد وقمقمه، لكنه في النهاية "قبض" المقسوم وذهب إلى بلاده بريطانيا، فالعراق كان مجرد كعكة يتم تقاسمها مع الأحباب الأصحاب.

أُدرك وأعي أنّ الأحزاب ستضعني في خانة "المتآمرين"، ولكن اسمحوا لي أن أواصل حكايتي، فرئيس الوزراء الهولندي خرج من باب الوزارة بعد ان خسر في الانتخابات، لم يخرج على الناس ليعلن انه سيستخدم الثلث المعطل، ولا حاصر مقر الحكومة .. فقط ركب دراجته ومضى .. هولندا التي لا تحمل سجلاً تاريخياً يضم حكايات علي بابا والأربعين حرامي، ولم تصنع سفناً فضائية قبل خمسة آلاف عام مثلما اخبرنا العلامة كاظم الحمامي، لكنها اليوم واحدة من أثرى البلدان، أتذكر أننا في بغداد لم نعرف هولندا إلا من ثلاثة أشياء: الرسام فان كوخ.. صاحب أشهر أُذن في التاريخ والتي دائماً ما تثار حادثة قطعها، هل قدّمها الرسام هدية إلى محبوبته، أم أنها فقدت في معركة ليلية مع الرسام غوغان؟ .. والشخصية الهولندية الثانية لاعب كرة القدم يوهان كرويف.. وثالث مشاهير هذه البلاد السيد جيرارد فيليبس مؤسس الشركة الشهيرة للصناعات الكهربائية، والذي سيطرت عليه عام 1891 فكرة واحدة فقط هي كيف يحقق حلم أديسون في تصنيع مصباح كهربائي، وهو الاختراع الذي أشاع البهجة والمعرفة والسرور في كل بيوت الكرة الأرضية بمختلف ديانات سكانها وألوانهم وقومياتهم باستثناء بيوت العراقيين، ولم يكتف السيد جيرار بذلك بل سحرنا بصندوق خشبي سمّي راديو "رمز الحرية الفكرية وركن الديمقراطية وفاضح كل أسرار الدنيا"، مثلما تغنّى به عزيز علي ذات يوم .

اليوم نسمع في نشرات الأخبار، لا في راديو فيلبيس، أن هولندا لم تعد تصدر الضوء والفن فقط، وإنما أيضا نموذجا للمسؤول الذي لا ينشغل بخطب والشعارات الفارغة، وإنما يسعى لاحترام المواطن أيا كانت هويته وطائفته.

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم