أقلام حرة
شاكر عبد موسى: مذكرات عراقي مخضرم عاش حروب العراق الدامية
(1980- 2017)
لم يكن التاسع من أبريل، نيسان عام/ 2003 يوماً عادياً، بل كان يوما مفرحا عند الكثير من العراقيين، ومظلما لدى القلة من أزلام النظام البعثي والمستفيدين والنفعيين من النظام السابق، وهو اليوم الذي أعلن فيه الاستيلاء على العاصمة بغداد من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا، وبمساعدة وخيانة كبار ضباط الجيش العراقي السابق في الحرس الجمهوري الخاص والمرتزقة المحترفين، بعدما انسحب كثير من الضباط والجنود الذين شاهدوا هول الصدمة وضعف الامكانيات وعدم القدرة على المواجهة، وإن الموضوع ذاهب نحو الخسارة، بعد أن دخل الامريكان على خطوط الاتصال لكثير من القادة.
كانت أيام 3 -5 أبريل/ نيسان أياما حاسمة في- معارك بغداد- إذ سارت الدبابات الأمريكية من جنوب بغداد إلى طريق الدورة ومسجد أم الطبل وطريق المطار والجانب الغربي من منطقة الرضوانية إلى مطار بغداد الدولي، مدعومة بغطاء جوي كثيف، بالإضافة إلى القدرة العسكرية الأمريكية الهائلة على استخدام الهجمات الجوية لمناورة القوات وإرباك القوات المدافعة.
- تم إنزال المظليين في مناطق جسر ديالى وجسر دجلة وأبو غريب السريع، وبإبقاء طريق الراشدية مفتوحا للهرب من بغداد، تعطلت القوات المدافعة عن بغداد بسبب صعوبة حركتها، فيما فتح الباب أمام استهداف القوات المتحركة والتأثير من خلالها، وتعرضت لهجوم من قبل الطيران الأمريكي.
- كان أول تماس للقطعات الأمريكية داخل مدينة بغداد على طريق الدورة أم الطبول، حينما استخدمت سياسة الأرض المحروقة برمي كل ما يتحرك أمامها، رغم المواجهة الشرسة التي حصلت مع الحرس الجمهوري الخاص والأمن الخاص المتواجدين في المنطقة، حيث تم إعطاب عدد من الدبابات والمدرعات المتقدمة، على رغم الغطاء الجوي لها، وانكشاف المدافعين إلا أنه استمر الرتل باتجاه المطار ليلتقي من هناك بالرتل القادم من الرضوانية لتحصل أشرس معركة هناك، استمرت ثلاثة أيام ما بين كر وفر استخدمت فيها القنابل المحرمة دوليا من فسفور وقنابل عنقودية وقنابل تكتيكية، ليعلن السيطرة على المطار ويستقر الجيش الأمريكي داخله.
- رغم حجم الخسائر البشرية التي تكبدها المحتل أول الأمر لكنه اندفع صبيحة يوم الأثنين 7 نيسان إلى عمق العاصمة بغداد، ومن خلال طريق المطار وصولا إلى القصر الجمهوري وساحة الاحتفالات ليتمركز فيها طيلة ذلك الوقت.
- وجاء الإعلان عن الاستيلاء على بغداد في 9 أبريل/ نيسان 2003 بعد أن وصلت الدبابات إلى ساحة الفردوس في مشهد دراماتيكي مثير وإسقاط تمثال رأس النظام هناك، وسط نقل مباشر للحدث عبر فضائيات العالم ساهمت فيه معظم القنوات الفضائية العربية مثل الجزيرة والعربية وغيرها، السقوط الذي أفرح الملايين من العراقيين الذين ذاقوا ويلات الحروب التي خاضها دكتاتور العراق 1980-2003، ضد جيرانه... حينها اختفى رأس النظام وبطل التحرير الوهمي (صدام حسين المجيد) عن الأنظار.
- عملية الفجر الأحمر أو القبض على صدام حسين (بالإنجليزية: Operation Red Dawn)، هي عملية عسكرية قامت بها الولايات المتحدة وألقي القبض فيها على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في 13 كانون الأول/ ديسمبر/ 2003 في قضاء الدور في مدينة تكريت/ محافظة صلاح الدين بالعراق، نتيجة خيانة أحد المقربين له لقاء جائزة ثمينة تلقاها من الأمريكان.
- هناك من يقول: من أوشى برئيس النظام السابق، توجد روايتين أحدهما مضيفه قيس النامق واخوه، وثانيهما عقيد محمد الابراهيم وكلاهما ليس بسبب المال، وانما بفعل الضغط والتحقيق الذي وصل الى النساء والتهديد بالأعراض، وفق ما رواه لي أحد مقربيهم، رغم عدم قناعتي بهما.
- دخلت قوات الاحتلال إلى بغداد مستخدمة سياسة الأرض المحروقة واستخدمت القوة المفرطة ضد كل من يتحرك أو يحاول القيام بأي إجراء.
- احتفل العديد من العراقيين بسقوط النظام وإسقاط تمثال الدكتاتور وسط العاصمة بغداد.
- بدأت عملية الفرهود وسرقة الموارد الحكومية والتخريب وحرق الممتلكات من قبل بعض اللصوص وضعاف الوطنية.
- وقعت العديد من عمليات القتل والاغتيالات بحق الأكاديميين والطيارين وأساتذة الجامعات والقادة والعسكريين والرموز الوطنية والدينية في جميع محافظات العراق، وهرب من هرب منهم الى أقليم كردستان العراق، أو الى دول الجوار (سوريا والأردن) بمن فيهم عائلة الرئيس وأبناء عمومته.
- هرب جميع قادة الحزب الكبار من بغداد ومن مدنهم في المحافظات العراقية، ولبس البعض منهم العباءة النسائية من أجل التخفي خوفا من انتقام الجماهير الغاضبة منهم.
- ابتهج كثير من الناس بالفاتح، وأطلقوا عليه اسم الجيش الصديق أو جيش التحرير، واحتفلوا بيوم سقوط بغداد، بل وجعلوه عطلة رسمية، في بداية الآمر.
- بعد أن أصبح الاحتلال واضحا، تصاعدت المقاومة من قبل الوطنيين ورجال الدين من مختلف المجموعات العرقية، وأصبحت مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار أول مدينة تنهض بعد الاحتلال... في 1 يناير، كانون الأول عام /2014 هاجم مسلحو ثوار العشائر (المتمردون السنة) مراكز الشرطة المحلية في قضاء الفلوجة وسيطرو عليها دون مقاومة، بعدها أعلن تنظيم داعش عبر مكبرات الصوت في مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار سيطرته الكاملة على المدينة وطلب من العشائر السنية الانضمام اليه لمواجهة القوات العراقية.
وكانت مدينة الفلوجة خلال حرب العراق الأولى المعقل الرئيسي لجميع التنظيمات السنية المتطرفة كتنظيم القاعدة، وقد شكل سقوطها هذه المرة مشكلة كبيرة للحكومة العراقية بسبب موقعها الاستراتيجي القريب من العاصمة بغداد ومطارها الدولي.
- كما ان معركة الفلوجة الاولى كانت بسبب عدم التزام القوات الامريكية بالاتفاق مع الاهالي ببقائهم خارج المدينة، فتمركزوا بأحد المدارس وحصلت مظاهرات، ردوا عليها بقوة وقتل عدد من المتظاهرين، فرد الاهالي على احدى سيارات الشركات الامريكية وقتلوا وحرقوا 4 منهم وعلقوا جثثهم على الجسر الحديدي..لتندلع بعدها معركة الفلوجة.
لم يكن تنظيم القاعدة اول الامر لهم دور كبير، وكان - مجلس علماء الفلوجة - صاحب القرار، وكان (عبدالله الجنابي وعمر حديد) من ابرز الوجوه اضافه الى قاده وضباط من الجيش والحرس الجمهوري المنحل ابرزهم (جاسم الفلاحي).
- حدثت معارك ضاريه في احياء الجولان والصناعي، وتكبدت على أثرها القوات الامريكية خسائر فادحة ولم تستطع الدخول للمدينة، ليتم ايقاف القتال بعد مفاوضات قاسيه، تم بعده تسليم المدينة الى ابنائها وكانت فصائل ثورة العشرين والجيش الاسلامي وابناء العشائر والقوات المسلحة وحتى فدائيين عرب وغيرهم.
اما المعركة الثانية نعم اختلفت الموازين عندما دخلت القاعدة وصَفت القيادات الحقيقية للمقاومة انسحب وانكفئ اغلب المقاومين لانهم بدأوا بقتل وتصفية المنتمين لأجهزة الدولة ومن يعمل مع الامريكان، وهذا ما كان مرفوضا عند المقاومة من ابناء البلد.
- كذلك التيار الصدري الشيعي يعلن الحرب على المحتل ودارت هناك معارك طاحنة في محافظات وسط وجنوب العراق ومنها معركة النجف الشهيرة: هي نزاع عسكري مسلح اندلع في 4 نيسان 2004 واستمر بشكل متقطع حتى شهر آب من العام نفسه بين التيار الصدري وجناحه العسكري جيش المهدي، الذي يرأسه مقتدى الصدر نجل المرجع الشيعي محمد صادق الصدر، ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف الداعمة لها في مدينة النجف وسط العراق بعد الغزو الأمريكي للعراق.
- اشتعلت شرارة المقاومة العسكرية المسلحة في معظم المناطق ضد الاحتلال، خاصة في المنطقة الغربية وفي منطقة تعرف بالمثلث السني (مثلث الموت). وكانت المقاومة في البداية عرقية بحته.
- استمرت الحرب عدة سنوات، حيث تغلغلت الجماعات الإسلامية المتطرفة في جماعات المقاومة الشعبية وأشعلت حروبا طائفية أحرقت البلاد وخلفت آلاف الشهداء والمشوهين والجرحى والنازحين. فهؤلاء أديانهم قائمة على تكفير وقتل وانتهاك حرمة من يخالفهم متى ما سنحت لهم الفرصة، وقد سنحت لهم الفرصة هذه الفترة، ولكن تحت مراقبة عدسات الكاميرات المتوفرة في كل مكان، والتي تنقل كل ما يفعلون من جرائم، والعالم يشهد هذه الجرائم ويشاهدهم أيضا، وهم يبررونها بأنها من الإسلام السني، أو جزء من قانون الإيمان عندهم باعتبار أنها مستندة لنصوص أو لتصرفات الحكام الذين يقدسونهم، مثل إحراق الإنسان وهو حي، فقد فعلها أبو بكر البغدادي وكررها السلفيون من بعده، وطبعا هذا جعل كثير ينفرون من دينهم، فبعض السنة شكلت لهم هذه التصرفات صدمة لم يتمكنوا من استيعابها فتوجهوا أما إلى دين آخر أو للإلحاد.
- حدثت جرائم قتل جماعي وتفجيرات باستخدام أقوى أنواع المتفجرات وأكثرها فتكا، وتدمر شوارع بأكملها ومناطق سكنية مأهولة وأسواق مزدحمة في المناطق الشيعية حصرا، وتهجير عائلات ومجمعات سكنية.
- اما الحرق والقتل بالنار ومجزرة سبايكر في يوليو، حزيران/ 2014 ومن قام بها هم طائفه من أهل السنة تسمى - السلفية الجهادية - او التكفيرية، وحتى هناك نوع من السلفية تسمى بالمرجئة رفضوا مقاتلة الامريكان لانهم يقولون: المفروض ان نصلح حالنا اولا ونوحد قوتنا، ومن ثم نتوجه للمحتل.وهو يحملون افكار الداعية السعودي (محمد عبد الوهاب الحنبلي 1703- 1792) ومن امثلتهم (محمد الخضير) او ما يسمى ابو المنار العلمي.
- رفض أغلب أهل السنة والجماعة الدخول بالعملية السياسية لأنها كانت مبنية على أسس طائفية وأنها من صنع الاحتلال ورفضوا الدستور بأغلبية ولم ينتظموا سياسيا إلا في عام/2010.
- العملية السياسية لم تكن تسير بانتظام والاحتقان الطائفي كان على أشده، وقد ولد نزعه لدى المناطق الغربية بالظلم، مما أدى إلى مظاهرات للمطالبة بالحقوق ما لبث أن استغلت واخترقت من تنظيمات متطرفة أحرقت المدن ودنست المناطق وقتلت كل من يختلف معها فكرا وممارسة.
- اختفت التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش (2014- 2017) بعد أن خلفت وراءها مدن مهدمة وآلاف الشباب المفقودة، وآلاف العوائل النازحة، وآلاف القتلى والأيتام، وسيطرة فصائل مسلحة من الحشد الشعبي من المناطق المحررة نفسها وبمساعدة قوات من الحشد الشعبي القادمة من وسط وجنوب العراق، نتيجة فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها السيد السيستاني.
- فتوى الجهاد الكفائي: هي فتوى شرعية أوجبها المرجع الديني علي السيستاني بتأريخ 13 حزيران 2014 على مقلديه في الأحكام الشرعية من المسلمين الشيعة، في العراق دون غيره من البلدان، للتصدي ومحاربة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الذين أسقطوا عدداً من المناطق في غرب وشمال غرب وشمال شرق العراق.
- اليوم عاد الوضع إلى الهدوء النسبي واقتنع الجميع بعدم المسير منفردا رغم كل المحاولات للاستقواء باستعمال صيغ التهديد والتلويح واتباع الطرق الملتوية أحيانا.
- ما زالت العملية السياسية لا تسير وفق الديمقراطية الحقيقية وكل طرف يحاول مسك زمام الأمور ووضع الطرف الآخر تحت مظلته.
وأخيرا: في كل ظهيرة يوم جمعه يصعد المنابر رجال معممون يدعون إلى الزهد والتقشف وينادون بأعلى أصواتهم: كان الرسول صلى الله عليه وسلم: يتناول التمر، ويشد الحصى على بطنه من الجوع، والخليفة الثاني عمر (رض) كان يلبس ثوبا مرقعا، وسيدنا علي عليه أفضل السلام لم يكن لديه مال ولا دار، ويطالبون الناس بالتحلي بالرسول وإله واتباع نهجه وسنته والعمل بما فعله أصحابه وسلفهم وحالما تنتهي الصلاة، ويتدنى من المنصة ينسى كل ما ذكره، ويعلو سيارته الفارهة ويذهب بها إلى وليمة الطعام التي كانت معده له مسبقا، لتناول ما لذ وطاب من الغذاء والحلويات على حسب مبدأ كل بيمينك وكل ما يليك، والمؤمنون حلويون، وما فات وافته المنية.
وكما قال العالم المصري البروفيسور ( فاروق الباز 1938):
* تخيلوا لو أننا لا نسمع فيروز لأنها أرثوذكسية!.
* ولا نعترف بنزار قباني كشاعر لأنه شيعي علوي!.
* ونمحو السياب من الذاكرة لأنه سني!.
* ولا نقرأ لمحمد الماغوط لأنه إسماعيلي!.
* ولا أدونيس وبدوي الجبل لأنهما علويان!.
* ولا ندرج فارس الخوري في كتب التاريخ لأنه مسيحي!.
* أو سلطان باشا الأطرش لأنه درزي!.
* ونتحفظ عن الضحك ونمتنع عن الفرح لأن دريد لحام شيعي!.
* غاندي إلهم الكثير من الأحرار وهو هندوسي!.
* آينشتاين أعطى الكثير من العلم للبشرية وهو يهودي!.
فلماذا لا تقاطعون شركة آبل.. ماكنتوش، حواسيب، جوالات، لابتوبات.. لأنها من اختراع رجل لا ينتمي لدينكم ؟ كفوا عن مقاطعة الإنسان، و قاطعوا الشر داخلكم الذي يحرمكم من هويتكم وتراثكم ومن علمكم، العلوم ترجمها العرب عن اليونان و لم يقاطعوها لأنها وثنية!.
لا تغيروا أديانكم، لا تخونوا طوائفكم لكن، احترموا الآخر وحقه في الحياة.. احترموا الإنسان لتنعموا بالأمان.. أيها العراقيون.
***
شاكر عبد موسى / العراق
كاتب وأعلامي