أقلام حرة
محمد سعد: الجغرافيا الثقافية ومهزلة العقل البشري!
الذين يحكمون على الحياة والأحداث وعلى الآخرين وعلى أنفسهم انطِلَاقًا من معاييرهم المحلية فحسب، ينطبق عليهم وصف الفيلسوف \"برنارد شو\" في أن هؤلاء يعتقدون أن عادات القبيلة وأحداث الشارع ومعايير المنطقة والعقيدة التي يؤمنون بها والناس الذي يعيشون معهم وأحلامهم والبلد، هي قوانين طبيعية، ومعاييرهم ونظرتهم للحياة تتطابق مع شعوب الأرض، تخيل الآخر كنوع من الشعوذة \" سامحه، فهو يعتقد أن عادات قبيلته هي قوانين الطبيعة، فالزواج والطقوس والشعوذة في دول أفريقية تنقل العقل إلى العصور الأولى البدائية...، كما في "الأسطورة اليونانية" عن بقرة ترى الفلاح نفسه كل يوم في الحقل، فاعتقدت أنه الإنسان الوحيد على الأرض... حين يدافع الإنسان عن عقيدة من عقائده المذهبية يظن أنه أنما يريد بذلك وجه الله أو حب الحق والحقيقة. وما يدري أنه بهذا يخدع نفسه. إنه في الواقع قد أخذ عقيدته من بيئته التي نشأ فيها، وهو لو كان قد نشأ في بيئة أخرى، لوجدناه يؤمن بعقائد تلك البيئة من غير تردد، ثم يظن أنه يسعى وراء الحق فالبيئة عامل مؤثر في الإنسان...،، والحقيقة. إنها مهزلة العقل البشري. وهذا الوصف الأخير شرحه بالتفصيل الكاتب/ علي الوردي في كتابة{ مهزلة العقل البشري}. البشر على الجانب الآخر من الأرض يعيشون خارج مقاييس العقل الضيق والأسير وهم يحكمون على الحياة وعلي أنفسهم وعلي الآخرين من معايير مختلفة بلا فرض ولا إكراه.
(الجغرافيا الثقافية) تربط المكان بالثقافة والاقتصاد والقيم والعادات والتقاليد وهي ليست ثابتة لدى كل الشعوب، وما هو شرعي وأخلاقي وقانوني في مكان، هو غيره في مكان آخر بل حتى داخل البلد الواحد تختلف المعايير في قضايا محددة وعلي سبيل المثال في ألمانيا كل مقاطعة لها قوانينها الخاصة، كذلك الزي الملابس يختلف من مكان لآخر كذلك الأغاني والمأكل والمشرب، مَثلًا في مصر تختلف عادات أهل وجه بحري تختلف عن عادات أهل الصعيد الوجه القبلي أو أهل سيناء ومدن القناة، وفي حالات تختلف بعض المعايير داخل المدينة الواحدة، مدينة "القاهرة "مَثلًا نقسمها /مناطق شعبية ومناطق راقية، وحتى داخل أفراد الأسرة الواحدة بين (صوفي وعربيد مدمن خمور ومثقف ومتطرف ويساري... إلخ.،، عندما نحكم على الحياة وعلى الآخرين من معايير محلية، محلية ومعطوبة وتختلف حتى عن معاييرنا القديمة الواضحة التي تفصل بين الحدود، نكون نموذج البدوي الذي دخل شاطئ للسياح العراة، أودُخُولًا هِندُوسيًّا في قداس كنسي أو موكب في مولد للحسين. هناك حياة مختلفة وبشر ومعايير ولعبة \"تخيل الآخر\" كما نرغب قد تكون مسلية، لكنها.غبيةجدًّا ، أكثر مما نتوقع. تخيل الآخر وبناء صورة نمطية عنه بلا اقتراب منه هو نوع من الشعوذة لأنها تستند على ذات الذهنية التخيلية الغربية دون أي أساس واقعي وهذا النوع هو السائد في العلاقات حيث يختزل الآخر بصورة أو موقف أو عبارة ويوضع له رمز كود للحفظ ويخزن كما لو أنه ملف وليس بَشرًا .في كثير من الحوارات عندما نتحدث في قضايا جديدة فكرية أو ثقافية أو أدبية، تكون تعليقات البعض كالتالي:
\"أنا لم أسمع بذلك، أنا، نعم أنا لم أقرأ عن ذلك، أنا، أي أنا، لم يقل لي أحد ذلك وإلخ\"، أي أنه محور الكون والحقائق وما لم يسمعه، لا وجود له، والحقيقة لا وجود موضُوعِيًّا لها بل توجد في عقله، وكل ما لا يعرفه \"غريب\" عنه لأنه هو مركز الكون، وكل ما لا يعرفه، يتخيله كما يحب، أي أن الآخر المختلف لا وجود له إلا صورة في عقل يعاني من التشوه المعرفي ويرى الواقع من نظام تصفية ذهنية، أي لكي يدرك الواقع والآخرين ويرى نفسه، يجب أن يقوم بعملية تحريف وجودي في نظرته للحياة وعلاقاتها لا كما هي بل كما يرغب، أي لا يدرك شيئًا في الحقيقة بل مستغرق في وهم، دون وعي أو إدراك ومن هنا مصدر كثير من الشرور للحياة، العالم الكوني ليس أنقَاضًا ومُعاناةً وفخاخًا وأرض خراب كما نراها من معاييرنا بل هناك بشر على السفوح الأخرى من الأرض يعيشون حياة مختلفة تمامًا.ويمكننا أن نكون أفضل لو عرفنا الطريق وسلامة الخطوة والبوصلة، فمنذ أكثر من قرن عثر على طفل داخل إحدى الغابات في فرنسا يعيش حياة المأكل والمشرب مثل حيوانات الغابة من الجمع والالتقاط،...!!
***
محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري