أقلام حرة
هيثم البوسعيدي: معرفة أولى
لا ندرك عظم لقائنا الأول مع الله إلا بعد عمر كونه أول لبنة في بناء عال التشييد، نقطع بعده مسير طويل في عملية السعي نحوه هو أفضل المعارف وأرقى المعلومات.
يقول مالك بن دينار: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قال: معرفة الله ومحبته.
فالعمر يستحق ذلك الطيب.. والمحروم من لم يعرف الله حق المعرفة.. والمسكين حقا من غابت عن ذهنه أن معرفة الله هي أصل وجوده ومنبع حضوره...والفقير من اعتز بما عنده ولم يعش لحظات الذل أمام ربه.. والعارف هو الذي اقترب من ربه في سجدة أو دعاء أو صلاة أو لحظات تأمل.
ولن يُدرك ما سبق من حقيقة ولن يسعى الفرد لإفناء الحياة من أجل الوصول إليها إلا إذا كانت أولى الخطوات صحيحة تبعها جهد مستمر يُساهم به المقربون، فعلى قدر الهمة يكون السعي والبذل نحو تحقيق ذلك الهدف بعيد المدى، وكلما كانت المداخل صحيحة فإن آثارها جلية في استقامة الأقوال والأفكار والأفعال عبر سنوات العمر.
إن كل المداخل المستعان بها لتعريف العابرين لهذا العالم حسنة وأساسية لكنها بحاجة لاستكمال ومتابعة وصبر لا تتعمق بمرور الوقت بحيث تكاد فقط تلامس القشور، لذا فإنها لا تٌتابع إلا عند القلة القليلة وليس الكل بأصحاب النفس الطويل القادر على تخطي كل المطبات والعقبات.
فالأمر قد يكون طبيعي أن يُترك البعض للتصورات عن الله بدون قيادة أو إدارة تعمل على استمرارية بث الوعي وقيادتهم نحو عوالم المعرفة بالله وتتابعهم كي يصلوا إلى الدرب الصحيح.
وبعض هذه التصورات أُسست من مصادر بعضها لا يكون صحيح فيحدث الإنفلات ويحدث كذلك الإنحدار نحو طريق فاسد.
يأتي دور الوالدين من أجل تغذية الأبناء على الصفات الجليلة التي تُقربهم من الله عزوجل فهو القريب، السميع، الودود، اللطيف، الكريم، الرحمن، الرحيم، النافع.
وضرورة تبيان بعض الصفات الأخرى بمرحلة قادمة وطرح قضية النار فيما بعد، والأبن والأبنة بحاجة إلى الترغيب والتحبيب من جهة أخرى ومن جهة اخرى إلى الترهيب والتخويف.
وتأتي أهمية الترغيب بمحبة الخالق من خلال أقوال الوالدين ووصفهم له وربط الأفعال به التي لابد أن تصب نحو التحبيب فيه وتقديره وتقديسه، فالإنسان مهما كان عمره ووضعه فهو مأسور بمن يحب ويأمل دوما بكسب رضاه وتقوية العلاقة معه باستمرار فكيف إذا كان أحد طرفي العلاقة هو الله.
وهنا نستذكر مقولة تتردد: " من تربى في صغره على حب الله لا يمكن بأية حال أن ينقلب على عقبيه مهما واجهته الدنيا بالمغريات والتحديات".
ونأتي لمدخل آخر يعين ويساند عبر الزمن فعادة التأمل والتفكر في مخلوقات الله من أنجع الوسائل لتوسيع المدارك وتعميق الارتباط وبتكرارها لها بالغ الأثر، فربنا نجده في كل تأمل وعلى قدر الاقتراب والوقوف عميقا تأتي فتوحات الوصال.
ومهما عُرضت المداخل نحو الوصال بالله فهي متعددة تغذي الروح وتسمو بها وما على نفس الانسان إلا المجاهدة للأخذ بهذه المداخل وتنويعها والثبات عليها والتمسك بها وسيبقى المرء طوال مسارات الحياة ما بين شد وجذب وهبوط وصعود حتى نهاية حياته.
***
هيثم البوسعيدي