أقلام حرة
حاتم جعفر: عود على بدأ لصفحات لم ولن تنسى من المجد والكرامة
لم يكن في وارد الرئيس الامريكي المنتهية ولايته جورج بوش الإبن، أن تكون مغادرته لكرسي رئاسة البيت الابيض بتلك الطريقة الدراماتيكية المهينة، التي سيسجلها التأريخ ويحفظها على جبينه ما دام حيا وحتى بعد رحيله بأحرف من الذل والهزيمة، حين سدد له احد الصحفيين العراقيين الشجعان قذيفتين من القنادر ذات المقاس المناسب جدا، عراقيتي الصنع وبإمتياز، لم يستطع خلالها ولتداركها سوى الانحناء أمام تلك (الهجمات) الغير متوقعة في مثل هكذا مناسبات، ناسيا او متناسيا حجم الرفض الشعبي لقواته المحتلة ولعملائه.
واذا ما افترضنا أنَّ زعيم اكبر دولة في العالم ورغم الحمايات والحراسات واجهزة الرصد والمراقبة المنتشرة في كل ارجاء القاعة ومحيطها، والتي شهدت توقيع اتفاقية الذل والتبعية وما اعقبها من اجراءات بروتوكولية كعقد الطرفان مؤتمرا صحفيا، لم تفلح كل تلك الإحتياطات المتخذة في منع ذلك الصحفي الشاب منتظر الزيدي من القيام بذلك الفعل الشجاع والذي هزَّ عرش وأحطَ من سمعة أكبر رئيس دولة في العالم وأكثرها عسكرة وغطرسة، بسبب من عدوانها الغاشم على العراق وشعبه، فكيف سيكون مصير العملاء، ان كانوا بحماية الاحتلال او بدونه.
وما تعرَّض له بوش الإبن لم يتأتَ بمعزل عما يعانيه المواطن العراقي من ويلات ومصاعب بسبب من سياسات الاحتلال وعملائه وما سببه للبلاد من خراب وتدمير، تجاوزت كل حدود المنطق والمعقول وبلغت حتى بناه الإجتماعية ولحمته، حيث لم تشهد له مثيلا كل انواع واشكال الاحتلالات السابقة، ولتعطي درسا بليغا لكل من يخون شعبه ووطنه، على الرغم من كل محاولاتهم البائسة واليائسة الهادفة الى تبييض وجه الغزاة وَمَن أتى بهم.
ولا بد هنا من العودة قليلا الى الوراء ولنتذكر بضع من احاديث العملاء، حين كانوا يطلّون برؤوسهم والسنتهم العفنة من على وسائل الاعلام المرئية والمسوعة، مدافعين بوقاحة وذل عن قوات الاحتلال وبساطيله، مروجين كذلك لفكرة انَّ العراقيين وبمختلف تكويناتهم وإنتمائاتهم ومشاربهم، قد استقبلوا (دخول) القوات الأمريكية وتدنيسهم لأراضينا بالورود والزهور والرياحين, باعتبارهم محررين كما يدعون. وأجزمُ أنَّ الرسالة قد وصلتهم، وأنَّ هناك قنادر أخرى بانتظارهم كما انتظرت رأيسهم من قبلهم.
وليس غريبا في سجل العراقيين النضالي من إستخدام لغة القنادر كأحد أشكال التعبير والحوار الذي يجرونه مع الآخر، وليس أي آخر فالمعني هنا، المداهن والمدلس والمساوم، والذي يحاول إستغفال الشعب بأشد وأكثر الأساليب وضاعة وخبثا، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم تلك الأصوات النشاز التي ما إنفكت تروج للإحتلال وجندرمته.
وإذا عدنا بالتأريخ الى الوراء، فأربعينيات القرن الماضي ليست ببعيدة عن ذهن الطبقة السياسية الحاكمة والمنصَّبةُ من قبل قوات الاحتلال. وإذا كنّا قد نسينا فسوف لن ننسى تلك الاهزوجة الشعبية التي غطت شوارع عاصمة الرشيد ومدن العراق كافة وبصوت واحد، ينم عن وعي عال من قبل المواطن العراقي ومعبرا في ذات الوقت عن سرعة البديهية التي يتميز بها، وما تولَّدَ عنها من ردة فعل، تتناسب وطبيعة ما يعاني منه، وكان الشعار محسوبا بدقة حين هتفوا وبصوت مدو، كان قد بلغ مداه وحقق هدفهٍ: نوري سعيد القندره وصالح جبر قيطانه. الاول كان رئيسا للوزراء والثاني وزيرا في حكومته، لعمالتهما للاجنبي، رغم انهما لم يكونا بتلك الوضاعة والنذالة التي نراها ممن يطلقون على أنفسهم برجالات العهد الحالي إن كانوا حقاً رجالا.
ولابد هنا من الإشارة والاشادة بـ(الدور) الذي لعبه محمود المشهداني، رئيس ما يسمى بالبرلمان العراقي والذي نصَّبه الإحتلال وضمن محاصصة مقيتة، قسَّموا على أثرها شرعية إستباحة الدم العراقي، حيث له، أي للمشهداني، الفضل الكبير في استعادة أسهل الوسائل واوفرها وأمضاها قوة في تطبيق العقوبات على اعضاء برلمانه، حين هَدَّد وعلى الهواء مباشرة وعبر شاشات التلفزة المحلية والعربية بأعلانه (إنَّ اي قانون لا يتوافق مع الاسلام سوف أضربه بالقندرة).
وكما يبدو فإن السيد المشهداني يعرف بدقة لغة الخطاب التي تنسجم وتليق باعضاء هكذا برلمان، فجلّهم أو على الأقل نصفهم يدركون وبشكل جيد حجمهم الحقيقي وكيف ينظر لهم ابناء الشعب العراقي. ولو كان لدى رئيس ما يسمى بالبرلمان، من الشجاعة والوطنية والغيرة على بلده ما يكفي، لكان قد إستخدم ذات الأسلوب في التصدي للمحتل ومقاومته. في كل الاحوال فقد سَجَّلَ له التأريخ سابقة، لم يكن ليجرأ على اطلاقها أحدٌ غيره، وذلك حين أحيا لغة القنادر بعد ان مضى عليها دهرا من الزمن.
وإذا كان لنا من التأريخ حكمة وموعضة لنقولها ونستشهد بها، فإنَّ لكل شعب أساليبه وفنونه في مقاومة المحتل، مهما بلغت قوته وجبروته ومهما علا شأنه. وفي الحديث عن المقاومة العراقية الباسلة، فلها من الزخم والحماية والحاضنة الشعبية ما يمكن أن تفاجئ به قوات الاحتلال وعملائه. ولعلَّ ما أقدم عليه البطل منتظر الزيدي، يُعَدٌ من أبسط الوسائل تعبيرا عن رفضه للغزاة وأكثرها وضوحاً. وهنا لابد من القول من ان حياة البطل الصحفي في ذمة الشرفاء من العراقيين وسواهم من أحرار العالم, وان تعرَّضَ جسده الطاهر لأي سوء، فلتتحمل قوات الاحتلال وعملائه كامل المسؤولية وما سيترتب عليها.
لك امنّا كل التحايا والتقدير، وبوركت يداك يا منتظر فلقد أصبت الهدف وبدقة متناهية، وأجزمُ أنَّ هناك المزيد من العملاء والخونة، ممن ينتظرون ويستحقون وبتقدير عالٍ دفعة أخرى من القنادر.
ملاحظة مهمة: المقالة أعلاه تأتي مكملة لمقالتين إثنتين كنت قد نشرتهما تباعاً، والثلاثة تشترك في ذات الفكرة وتكمل بعضها بعضا، وكانت قد كُتبت في حينها. كذلك أقدم أعتذاري لإحتواء المقالة على بعض المفردات المخدشة للحياء. في ذات الوقت وليعلم القارئ اللبيب والطيب، بأنها موجهة تحديداً لتلك الشلة العفنة والسافلة من العملاء والخونة، ممن باعوا وطنهم بأبخس الأثمان للأجنبي وباتوا رهناً لإشارته، ومن كل لون وتحت أية ذريعة، فهذا لعمري ما يليق بهم.
***
حاتم جعفر - السويد / مالمو