أقلام حرة
صادق السامرائي: مشاريع المفكرين المرفوفة!!
من عجائب المفكرين والفلاسفة العرب أن لكل منهم مشروعه الخاص به، والذي يرى أنه منقذ الأمة مما هي فيه، فيفني وقته في البحث والتدوين، وتأليف ما يستطيعه من الكتب، التي تنام على الرفوف، وتدوسها سنايك النسيان والإهمال!!
ومعظمهم يتداولون أفكارا ويقدمونها على أنها مقنعة وتصمد أمام الحجة والتحليل والتقييم، لكنها لا تتصل بالواقع اليومي للناس الساعية فوق التراب، وأكثرها مستنزلة من فضاءات الخيال البعيد، ومقحمة لنظريات الآخرين في واقع ينكرها.
وتزداد عجبا من كثرة المفكرين والفلاسفة، وإمعان الأمة في تدحرجها إلى خنادق الوراء، وتمسكها بالغابرات التي إكتسبت أهوال التقديس والتبجيل.
وعندما تسألهم، تنهال عليك التبريرات والتعليلات والتفسيرات التي لا تطعم من جوع ولا تحمي من برد، فما كل منطقي بصحيح، ولا كل تبرير سليم، وما يقنع لا يعني أنه يشبع.
وياتي في مقدمة التبريرات الدين، الذي تنتهي إليه مقاماتهم ودراساتهم وأبحاثهم، وخلاصتها، إنها أمة مقتولة بدينها!!
فكيف نحي القتيل؟!
لا توجد أمة لم تقتل بدينها، لكنها تعافت من طاعون الدين، وأوجدت العلاجات واللقاحات اللازمة لحمايتها من الأوبئة الدينية الفتاكة.
وأقسى مَن عانى من أوبئة الدين هي المجتمعات الأوربية ولعدة قرون، وبعد أن إستيقظت ونفضت دثار الدين وإكتشفت طريق العلم، وضرورة تفعيل العقول، إنبثق ماء جوهرها الإبداعي الإنساني، ومضت تخفق بأجنحتها في فضاءات الأنوار العلمية الوهاجة.
وتبدو نتاجات مفكرينا وفلاسفتنا وكأنها صومعية، أي مقطوعة عن مياه الحياة وبعيدة عن الواقع الذي تريد مواجهته، فهي لا تنطلق منه بل تهبط عليه!!
ولهذا بقيت الأجيال تراوح في ذات البقعة الزمنية، لفقدان الرؤية والدليل والبوصلة الفكرية الآخذة بها إلى موانئ الصيرورات الإنسانية المعاصرة.
فالأجيال تنكفئ إلى فترات زمنية متخيلة ومدبجة بالتصورات الهذيانية المقدسة، مما يساهم في تعطيل عقولها، وتجميد جهودها وتحويلها إلى روبوتات مذعنة للأوامر والإملاءات الفاعلة في واقعها المسكون بالخيبات.
فهل من تفاعل منير مع واقع غاطس في مستنقعات الأنين؟!!
***
د. صادق السامرائي
22\10\2021