أقلام حرة
صادق السامرائي: التخندق في الخندق!!
معركة الخندق حسب ما توارد عنها كانت ناجحة في زمانها، وفشلت آليتها في غير زمانها، وأعطت شاهدا واضحا على أن لكل زمان أدواته المساهمة في صناعة أحداثه.
فأساليب القتال في القرن الحادي والعشرين تختلف عنها في القرن السابق له، وهكذا دواليك، تتطور التفاعلات البشرية، لأن العقول فاعلة وقادرة على العطاء المتجدد والمتطور.
وفي مجتمعاتنا هناك نزعة عجيبة للتحجر والتخندق بذات الكينونة، التي عبرت عن دورها قبل مئات السنين، والتوهم بأن ما كان صالحا لما مضى يصلح لما هو قائم وحاضر في الزمان والمكان المعاصر.
فهناك إندفاعية إنفعالية ساذجة، نحو ما لا يمكنه أن يتعايش مع واقع مكاني وزماني متبدل وفقا لإرادة الدوران.
بل أن أصحاب هذه التوجهات يرفضون العلم، ويحسبون الأرض مركز الكون وأنها لا تدور، وكل شيئ في الوجود حولها يدور.
ومع الأدلة والبراهين والصور وما بلغته البشرية من قدرات إستكشافية، فأنهم يرفضونها ويحسبونها إعتداءً على إرادة الكون ورب الأكوان العظيم.
وينطلقون من تصورات وهمية ورؤى عبثية، ويرون أنهم يمتلكون جوهر الحقيقة المطلقة، وغيرهم من الجاهلين بأمور الدنيا والدين.
وبهذا فهم متخندقون بما يتوهمون، ولا يريدون إعمال العقل بما حولهم، ولا يبصرون، لأن في ذلك زعزعة لمنطلقاتهم الجامدة التي لا تستدعي جهدا، بل إستسلاما وإذعانا وتبعية وتقليدا لمن يتمنطق بدين، وهو أبعد ما يكون عن معنى الدين، فيتكلم بلغة لا تتوافق مع سلوكه المحموم بالرغبات والتطلعات اللازمة لتأمين سيادة النفس الأمارة بالسوء.
وهكذا فأن أحوال مجتمعاتنا في دوامة إستنقاعية، وتفاعلات تصارعية تستهلك طاقاتها وتصيبها بخسران شديد.
فهل من قدرة على التحرر من قبضة الخندق، وهل لنا أن نتفاعل مع مكاننا وزماننا بعقل يتدبر ويتبصر ويتفكر بما حوله وعليه؟!!
***
د. صادق السامرائي