أقلام حرة
صادق السامرائي: السياسي الإنسان يموت مبكرا!!
عالم السياسة معقد، وتتجسد فيه غابية السلوك البشري بأعلى درجات إنفلاتها وممارساتها، ولا يمنع من ذلك أي عقيدة دينية أو دنيوية، وفي هذا المضطرب التفاعلي لا يمكن للسياسي الإنسان أن يدوم طويلا.
فأما تأكله وحوش الغاب الآدمية، أو تفترسه آفات الأمراض، لأن الطاقة العاطفية السلبية الناجمة عن خوضه غمار ميادين الغاب بإنسانيته ستنقلب وبالا عليه، فتراه يموت في اليوم ألف مرة موتا نفسيا، حتى يباغته الموت البدني من وحش أو مرض.
وعندما ندرس أحوال القادة في ماضي الزمان وحاضره، تبدو أمامنا الصورة واضحة ومجسمة، ففي تأريخنا البعيد، لم يصمد أبو بكر بالخلافة لأكثر من ثلاث سنوات، وفي الفترة الأموية العديد من الخلفاء إنتهوا مبكرا، وكذلك في الفترة العباسية.
ومنذ بداية الربع الأول من القرن العشرين، مرَّ على الأمة العديد من القادة الذين أكلهم المرض مبكرا، أو إفترستهم وحوش الكراسي، ولا تزال التفاعلات الكرسوية على حالها الغابي، وما تبدلت أو ترشّدت، وتمسكت بدستور وقانون يحمي البلاد والعباد.
لأن الدستور الوطني الحقيقي الفاعل يلجم النزعات الغابية والتفاعلات النزوية الأنانية الجشعة، ويعيد التفاعل إلى رشده قبل أن يقدم على مأثمته، لأن العواقب ستكون وخيمة حسب القوانين القوية المستنبطة من مواد الدستور.
ولدينا مثلا الرئيس جمال عبد الناصر، الذي توفى في بداية العقد السادس من عمره، بعد أن عانى من أمراض مزمنة، ربما رافقته بعد توليه للحكم بفترة وجيزة، وإنتهت الحالة بموته المفاجئ.
وعبد الكريم قاسم، أكلته وحوش الكراسي وإفترسته بقسوة وبشاعة.
وكلاهما لديهما مشتركات سلوكية وإن إختلفا، وكلٌّ عبَّر عن وطنيته وفقا لإجتهاده، لكن الضخ العاطفي والإنفعالي، وشدة التوجس والشك والرعب الفاعل فيهما، أصابهما بالمرض وبسوء التقدير، والإمعان بالإنغماس بالكرسي وإعتباره الحياة.
جمال عبد الناصر ربما قتلته العواطف الجياشة والإنفعالات الحماسية المتوقدة، وعبد الكريم قاسم قضت عليه أوهام الزعامة وتوجساتها، وما أحاطه بسببها من حالات كاذبة، ولم يستطع لجم جماحها، وإنما سار في تيارها الذي أدى به إلى نهاية مريرة مرعبة!!
فالبناء العاطفي النفسي للبشر له تأثيراته الكبيرةعلى طول العمر أو قصره، والأضرار الجانبية البدنية للتأجج العاطفي متنوعة ويأتي في مقدمتها ما يصيب جهاز الدوران، وأمراض الغدد الصماء، خصوصا داء السكر.
فهل من دساتير تحمي الوطن والمواطن والقادة؟!!
***
د. صادق السامرائي