أقلام حرة
ثامر الحاج امين: من ذاكرة الحرب
يوم اندلعت الحرب بين العراق وايران في ثمانينيات القرن الماضي، ظن الجميع انها مجرد ايام وتتوقف قذائفها بعد اشباع مشعلوها نزواتهم المريضة وبعد أن يدركوا ان الحرب ليست لعبة انما هي ابادة مجانية للجنس البشري المغلوب على أمره، ولم يطرق بال أحد انها سوف تمتد لسنوات وتأتي على الأخضر واليابس وتترك في كل بيت وقلب عراقي ذكرى مؤلمة بما فيهم نحن الذين سيق بنا منذ الايام الأولى الى محرقتها حيث لم نكن مستعدين لها ومجهزين كل شيء لأيامها التي تبينت لاحقا انها ستطول وستترك صنوفا من المآسي في قلوب العراقيين، لذا قضينا أيامها الاولى باستعمال الوسائل البدائية في تحضير المأكل والمشرب بالاعتماد على الحطب الذي كانت تمتلئ به ساحات الجبهة المقفرة، ومن المشكلات اليومية التي واجهتنا هي تحضير الشاي على الحطب اذ ان ابريق الشاي ــ القوري ــ المستعمل في تحضير ذلك الاكسير سرعان ما يختفي بريقه خلف طبقة متكلسة من السخام التي يصعب ازالتها عند التنظيف، اتفقت حضيرتنا المكونة من ستة جنود ان يتم تنظيف القوري دوريا بيننا، وفي الاسبوع الاول جلست اراقب صديقي الجندي ــ احد افراد حضيرتي ــ وهو يقوم بإنجاز مهمته وشعرت بمعاناته وعظم جهده وهو منهمك في محاولة تبييض بدن ذلك الاناء العصي على البياض وحين انتهي منه كان التذمر باديا عليه والارهاق قد نال منه، واكتشفت ان الجهد والوقت اللذان يكلفان لإنجاز هذا الواجب الشاق اكثر بكثير من قيمة القوري الجديد، لذا عندما حان دوري لتنفيذ تلك المهمة ذهبت واشتريت من حانوت الوحدة قوريا جديدا تلافيا لتجربة صديقي الشاقة، وقد حذا حذو باقي افراد الحضيرة حيث بادر كل من جاء دوره بعدي بشراء قوري جديد تجنبا لمأزق صديقنا الذي ذهب كبش فداء في هذه المهمة، واكتشفنا بعد فترة ان خلف الموضع الذي يجمعنا كان هناك تل من القواري الغافية تحت سخام الحطب والحرب.
***
ثامر الحاج امين