أقلام حرة
عبد الخالق الفلاح: الانقلابات الافريقية وتساقط الحكومات
تتصاعد الانقلابات المتتالية في القارة الافريقية فبعد إعلان مجموعة من الضباط في الجيش الغابوني الاستيلاء على السلطة وإلغاء نتائج الانتخابات بعد دقائق فحسب من إعلان فوز علي بونغو بولاية رئاسة ثالثة، وصل عدد الانقلابات التي شهدتها منطقة غرب ووسط أفريقيا منذ 2020 إلى ثمانية. تأتي هذه "العدوى الانقلابية" بعد أن قطعت المنطقة شوطا خلال العقد الماضي للتخلص من سمعتها "كحزام للانقلابات" وتتساقط الحكومات الموالية لفرنسا في غرب ووسط أفريقيا الواحدة تلو الأخرى وتعرضت دبلوماسيتها خلال السنوات الماضية لمجموعة من الإخفاقات أظهرت تراجعا مطردا للنفوذ الفرنسي على عدة أصعدة وأعطى المجلس العسكري في النيجر الخميس تعليماته للشرطة بطرد السفير الفرنسي في نيامي. وبعدما منح العسكريون الانقلابيون مهلة 48 ساعة للمسؤول الدبلوماسي الفرنسي لمغادرة البلاد ويظهر من خلال دعوات تلك الانقلابات بخروج القوات الفرنسية من بلدانهم ولعل أكبر صدمة تلقتها باريس في السنوات الأخيرة هي من قبل الدول الاوروبية وامريكا، وكانت في سبتمبر/ أيلول 2021، حين ألغت أستراليا وبشكل مفاجئ "صفقة القرن" المتعلقة بشراء غواصات فرنسية بقيمة 56 مليار يورو، بعدما فضّلت كانبيرا غوّاصات أمريكية تعمل بمحركات نووية في إطار سمي باتفاق "أوكوس" بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا. الخطوة الأسترالية أحدثت صدمة لدى دوائر صنع القرار في باريس التي رأت أن فرنسا تلقت طعنة في الظهر مس هيبتها كدولة كبيرة. بعدها تأزمت العلاقات بين باريس وبرلين في سياق الحرب في أوكرانيا. ففي الوقت الذي تسعى فيه باريس لبناء استقلالية عسكرية وأمنية أوروبية، بلورت برلين رؤيتها الخاصة واختارت التزود بالسلاح الأمريكي بالدرجة الأولى في إطار حزمة مائة مليار يورو لتحديث الجيش الألماني. والخلافات بين البلدين تشمل أيضا مجالات استراتيجية أخرى كالطاقة على سبيل المثال لا الحصر.، في تطور اخر ملحوظ يشير بتغيير سريع تتضح ملامحه يوما بعد يوم في مفردات وقواعد اللعبة بتلك المنطقة من العالم. إعصار الانقلابات اجتاح تسع دول أفريقية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وتتعزز المؤشرات التي تفيد بأن كل الانقلابيون قد يسلكون نفس الطريق الذي سلكه قبلهم أقرانهم في مالي وبوركينا فاسو، الذين استبدلوا حليفهم الفرنسي التقليدي، وجاءوا بحليف جديد هو روسيا التي يتعاظم نفوذها في أفريقيا بشكل كبير منذ سنوات. آخر هذه الانقلابات هي في الغابون وتم تعيين القائد النافذ في الحرس الجمهوري الجنرال بريس أوليغي انغينا "بالإجماع رئيسا للجنة انتقال واستعادة المؤسسات ورئيسا للمرحلة الانتقالية وأن المظاهرات التي خرجت في الشارع تأييدا للانقلاب، ربما برهنت على أن هناك سخطا على سياسات النظام السابق ورفضا لاستئثار طبقة معينة بثروات البلد العضو في منظمة أوبك وسابع أكبر الدول الأفريقية إنتاجا للنفط، وسط اتهامات لبونغو بالمحاباة والمحسوبية، والغابون التي كانت مستعمرة فرنسية حتى عام 1960، ظلت تحت حكم بونغو وعائلته حليفا قويا لباريس، التي تعتبر من اغنى تلك البلدان وهو من أول منتجي الذهب الأسود في أفريقيا وتعد إحدى الدول الأفريقية الأكثر ثراءً لناحية الناتج الإجمالي المحلي للفرد الواحد (8,820 دولاراً عام 2022)، بفضل النفط والخشب والمنغنيز، وعدد سكانه المنخفض (2,3 مليون نسمة ويعيش فرد واحد من أصل كل ثلاثة تحت خط الفقر؛ وفق أرقام أُعلنت أواخر عام 2022، وفق البنك الدولي وتحتلّ الغابات 88 في المائة من مساحته البالغة 268 ألف كيلومتر مربع واشتهرت نبتة الإيبولا التي تحتوي على مواد المؤثّرات العقلية، لمعالجة مدمني المخدرات أو مساعدة ضحايا اضطراب ما بعد الصدمة وتأتي من التصدير غير القانوني وهي شجيرة مستوطنة في الغابات الاستوائية في وسط أفريقيا. وتُستخدم في الغابون على شكل مسحوق لحاء يُستخرج من جذوعها، في احتفالات «بويتي»، وهي طقوس تقليدية، وقد اعلنت مجموعة من ضباط الجيش استيلاءهم على السلطة في البلاد، وإلغاء نتائج الانتخابات الرسمية الأخيرة، التي فاز فيها الرئيس علي عمر بونغو أونديمبا بولاية ثالثة والذي اصبح اسم والده عمر بونغو بعد اعتناقه الإسلام وهو الضابط السابق، الذي عمل مع الفرنسيين في أثناء مرحلة الاستعمار الفرنسي في أفريقيا وعملت فرنسا على إعداده بتأنٍ لسنوات شبكات «فرنسا الأفريقية». وفي عام 1967 أصبح رئيساً جديداً لدولة الغابون والذي قاد السلطة منذ 14 عاما في هذا البلد . وقد انتخب علي عمر بونغو لأول مرة في عام 2009 بعد وفاة والده عمر بونغو أونديمبا، الذي حكم البلاد لمدة 41 عاما.، هذه القارة التي تضم من بين ترابها المئات من الطاقات المتنوعة التي وهبها الله لها دون أن تستفيد منها شعوبها التي تعيش حالة من الفقر الشديد وتنتفع من خيراتها دول اخرى وشعوب اخرى، والانقلاب يعني أن موجة الانقلابات مستمرة وان الحقبة الاستعمارية انتهت او تتجة الى النهاية وتحل محلها الحكومات العسكرية، والى انقلاب جديد في بلد أفريقي جديد.
***
عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي