أقلام حرة
صادق السامرائي: التبعية تتوطننا!!
مجتمعاتنا تميل للتبعية والخنوع للإرادة الفردية، وكأن مولداتها تتوطننا، وتطغى على التفاعلات القائمة في بيئتنا المجتمعية.
ونراها بوضوح في ميادين الإبداع بأنواعها، فنجعل شخصا ما إماما ورمزا لا مثيل له، ونتوهم بأنه أتى بآيات الروعة والسحر والبيان والجمال، ونمضي بتفخيمه وتمجيده، وبعد وفاته يتحول إلى مقدس لا يُضاهى، وعنده تنتهي أنهار الإبداع وروافده.
وفي السياسة والأدب والإجتماع والفلسفة وغيرها، نصنع أصناما نتعبد حولها، وكأن الأمة عُقمت بعدهم، ولن تلد غيرهم أو أمثالهم.
بل أن البعض صارت تبعيته ذات إقترابات إقرانية شرطية شمولية، فأصبحنا نتحدث عن جيل لا يماثله جيل، وعن جيل مقدس وآخر منبوذ.
وكل يتوهم ويرعى أوهامه، ويمضي في متاهاتها، وكأنه لا يسير فوق التراب، ويميل للتحليق فوق ظهر السراب.
فالكثير من عاداتنا وتفاعلاتنا الإبداعية مبنية على التبعية المفرطة، التي تعني أن لابد من الخطو على ذات المسار، وإن لم تستطع فأنك ستترنح وستتمايل وستسقط كالسكران الذي يسير على خط مستقيم.
ولهذا فإبداعنا مقيّد لا يعرف الحرية والقدرة على العطاء الأصيل، وما دام هناك ما تقاس عليه، فالكثير من الأسماء تأبدت في وعينا الجمعي، وتصلدت وتحولت إلى أطواق في الأعناق، وجدران تحجب النظر والرؤية الواضحة، وكأنها الأوثان والأصنام، التي نؤدي طقوسنا التعبدية بحضرتها.
فعندما نتكلم عن الشعر ينهض أمامنا ملائكته وسلاطينه الذين توجناهم ملوكا علينا، وأعلنا أن الشعر يتوقف عندهم.
ونغفل أن البشر إبن زمانه ومكانه ولا يمكنه أن يتماثل، أو يتحكم بمصير رؤى أجيال من بعده ذات مكان وزمان مغاير.
وهذه العلة تساهم بإستنقاع وجودنا، وتفريع الإبداع من جوهره المتفاعل مع عصره.
ويبدو أن التبعية غريزة مستفحلة في سلوكنا، وكأننا كفراخ البط التي تتبع أمهاتها، فلا بد لنا في كل ميدان أمٌ نتبعها، وتلك عاهتنا الكبرى ومعضلة وجودنا الكأداء!!
***
د. صادق السامرائي