أقلام حرة
السرقاتُ الأدبية بين التَّناصِّ و(التَّلاص)
سرقةُ المَبْنىٰ أَمْ سرقةُ المَعْنىٰ؟
تشهدُ الساحةُ الأدبيةُ ومنذُ القِدَمِ مِثْلَ هكذا حالاتٍ فَقَدْ يتفقُ خيالُ الشاعرِ مع مُجايليهِ فِي إنتاج شكلٍ إبداعي دُونَ أنْ يقرأ أحدُهم للآخر سابقاً، أو سَمِعَ له مِنْ غيره فيكون الأمرُ كَمٰا يقعُ الحافرُ عَلىٰ الحافر وَكما قالت العربُ أو الخطوةُ عَلىٰ الخطوة، ومثالُ ذلك كما حصل بين الشاعر طرفة بن العبد الذي قال:
(وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيَّهُمْ
يقولون لا تَهْلَكْ أسىً وتَجَلَّدِ)
وبين قول الشاعر إمرؤ القيس الذي قال
(وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيَّهُمْ
يقولون لا تَهْلَكْ أسىً وتَجَمَّلِ) .
وهنا نجدُ لتلك الأحداث مبرراً مُقْنِعاً فِي أنَّ تواردَ الخواطر ممكنٌ بين الرَّجُلَيْنِ إذْ لمْ تكن هناك وسائلُ اتصال بين الناس تمكِّنُ الآخرَ مِنْ أَنْ يلتقطَ مِنَ الآخر شيئاً مٰا وَيَسِفَّ عليه حصيرةً مِنْ أفكاره، فتجدُ الحدثَ بين الشاعرين لا يتعدى حُدُودَ الصدفة لا أكثر!
وقد استمرت مِثْلُ هذه الأحداث بعد العصر الجاهلي لتمتدَّ إلى عصر مٰا قبل الإنترنت فقد كان هذا الأمرُ شائعاً فِي الوسط الأدبي فقد يتمكن سارقُ المحتوى من سرقة قصيدة كاملة أو شبه كاملة مِنْ جهد غيره على أَنْ ينسبَها لنفسه مدعياً ذلك ولا يجد القرّاءُ سبباً لتكذيبه لضعف إمكانيات البحث عن النقيض أو المتشابه فقد يكون الجهدُ المسروقُ مبنياً على تحويل المَبْنىٰ الجَمالي مِنَ النصوصِ إلى تشكيلٍ آخر مِثْلَ تغييرِ الوزنِ أو القافيةِ أو الرَّوي على أقل تقدير ليبتعدَ السارقُ عن التَّشَبُّهِ مع غيره فِي حالة المجادلة،
وقد تَكُونُ سرقةُ الجهد على أساس سرقةِ المَعْنىٰ كله وهذا بات جلياً فِي الوسط بعد اكتشاف وسائل التقنية الحديثة .
وعندَ تَصَفِّحِنا لحقبة التسعينات من القرن الماضي كان الوسطُ الثقافي يضجُّ بالأسماء التالية منَ الشعراء مثل
الجواهري والسياب ومظفر النواب ونزار القباني وكانت هذه الأسماء مشاعةً لدى الجميع حتى باتت سرقةُ أفكارهم شائعة فِي الوسط إِلّا مٰا رَحِمَ الشِّعْرُ وربُّهُ!
فمثلاً هناك مَنَ الشعراء المحليين مَنْ بدأ رحلتَهُ مع الشِّعْر سارقاً من أشعار نزار قباني إذْ كنّا نسمعُ عَنْهُ ومِنْهُ ابياتاً مبنيةً على سرقةِ المبنىٰ والمعنىٰ تثيرُ إعجابَنا بجماليتها ولا نملكُ دليلاً على صِدْقِ الرَّجُلِ أو لصوصيَّتِهِ حتى أخفىٰ تلكم النّصوص الْيَوْمَ مِنْ قاموسه الشعري المتواضع بالقِياس إلى غيره،
وهناك مَنْ تناصَّ مع الجواهري فِي تناوله الثورةَ والغضبَ وكذلك الرثاء،
وهناك مَنْ بَنىٰ على إنشودة المطر مُكَيِّفاً المَبنىٰ عَلىٰ المعنىٰ فِي حِين تجد كلمةَ (المطر) تكادُ تَعُجُّ بفضحِ فكرة الشاعر حتى لو حاول جاهداً فِي إبعادها.
وهناك مَنْ تناصَّ مع القرآن وهذا لا يُعابُ على الشاعر لأن القرآن نصٌّ متاحٌ للجميع مَبنىً ومعنىً وهو الدستور الذي يُمْكِنُ تكييفُ معانيه لتكونَ درساً ثقافياً وَمَعْرِفِيّاً للوسط الثقافي.
وهناك من وقع فِي شراك الشاعر مظفر النواب لَيْسَ مكتفياً بالبناء على أساس المَعْنىٰ بل أخذ المَبْنىٰ كلّْهُ مُذيِّلاً ذلك بإسمه! وعندما كانت حقبة التسعينات بالعراق لا تُمَكِّنُ المُتَتَبّع أَنْ يكتشفَ عائدية المحتوى الثقافي لأسباب سياسية تُكْمِنُ فِي منع مٰا يصل من نتاجات الشاعر بل ولا توجد وسائلُ البحث الألكتروني (گوگل) كما هي اليوم وهي تمكِّنُكَ من اكتشاف مٰا تود البحث عنه بكبسة زر واحدة!
إِذْ راجَ فِي تلك الحقبة الماضية وقد اشتهرت قصيدةٌ تقول
(صدام يٰا وسخ الدنيا برمتها،،،،،،،،،
ويا ابن ألف أَبٍ نذل لواحدة ،،،، الى آخر القصيدة المرفقة كصورة بالمنشور للعلم.
على أنَّ هذه القصيدة منسوبةٌ لكاتبها فلان الفلاني فِي حِين أنَّ الرَّجلَ لَمْ يُكَذّبِ الخبرَ كما لَمْ يتنصلْ عَنْها متباهيًا بعائديتها له ليُسَوِّقَ نَفْسَهُ عَلَماً مناضلاً إبان تلك الحقبة، وقد تناقل شعراء ومهتمون بالشأن بأن هذه القصيدة لهذا الرجل وقد أكدوا عَلىٰ لسانه ذلك ومنهم من الأحياء يرزقون اليوم!
ولكنْ وبعد كل ذلك الجهد جاءت كَبْسَةُ الزِّر لتكشفَ لنا عائدية المحتوىٰ إلى شرعية صاحبه!!
كما يوجد هناك مَنْ يضع ديوان المتنبي تحت وسادته متعكزاً على سبك المبنىٰ مع سرقة المعنىٰ فتأتي الأفكارُ واضحةً متضحةً لأهل الشأن الذين لا يخفى عليهم شيء.
وَلَوْ تناولنا الأمرَ الذي يتعلقُ بكتابة النَّص النثري وروّادِهِ فحدّثْ ولا حرج فقد أدمنَ (بَعْضٌ كثير) مِنْ كُتّاب هذا الجنس الثقافي الإبداعي عَلىٰ سرقة النصوص الشِّعرية الأجنبية (الموزونة والمُقَفّاة) والتي تفقد تلك الخَواص بالترجمة فِي طبيعة الأمر وهذا لمن لا يعرف الحقيقة فقط، فقد تَفَنَّنَ هؤلاء (بتحوير المَبْنىٰ) مِنْ خلال استبدالِ الكلماتِ بما يتشابه معها من معانٍ متداولة وفقَ السِّياق وعلى سبيل المثال لا الحصر (فكلمة البحر استبدلت بالأنهار والفضاء بالسماء والدرب بالطريق والتفاح بالثّمار فضلاً عن العناكب والخفافيش والشمس بالضوء والهشاشة بالإنكسار والغروب بالتلاشي والإضمحلال بالذبول والبعيدة بالقَصِيَّةِ وهكذا)!
وَكما هو ملاحظٌ نجدُ غالبيةَ هؤلاء الكُتّاب لا يقرأون مِثْلَ تلك النصوص على العَلَن وفِي المهرجانات خوفاً مِنْ ردةِ فعلٍ غَيْرِ محتملة قد تحدث، بل يكتفون بالنشر وَمِنْ خلال دواوين متداولة على نطاق ضيق لا أكثر،،
كما ولا أعدو كُتّابَ القِصَّة كذلك مِنْ لعبة التّناصِّ والتَّلاصِّ هذه ولا أقصد الجميع فِي طبيعة الأمر والأمثلة كثيرة .
الخلاصة هي،،،
إِنَّ هذا الداء الثقافي قد أصاب بعضاً من اصحاب الشأن مِثْلَ عِلَّةٍ مستدامة لا ينفكُّ أصحابُها مِنْ دوار الرأس وهم يقرأون هذا ولا يستطيعون التعليق أو الرّد لِقِلَّةِ مٰا فِي اليد التي اعتادت أنْ تسرق ولا تنتج ..
***
إياد أحمد هاشم / شاعر عراقي مقيم فِي النمسا