أقلام حرة
محسن الأكرمين: من تفكير أجوبة سؤال: لماذا؟
غير ما مرة نختار أجزاء علية من حياتنا، ونُداومُ الفرح على فخر الاختيارات أو نَنتحب بكاء من سوء الطالع الغامض. وفي تكرار الحدث ذاته نكون نواصل الدفاع عن قضية قد تبدو عند البعض الآخر عملية عديمة الجدوى ولا فائدة طائلة منها، أو هي من السذاجة الاجتماعية. فيما تبقى قضية المعاناة بالاستمرار أو التقطع في الأزمنة، ومن الأمر المحتوم الذي نألفه بتجلياته وبتآلف، ولا مفرَّ إذا من معاودة الهروب منه إلا بسنة التغيير الحتمي.
غير ما مرة نسقط في بؤس الندم المتردي، ونداوم على فخر الاختيار بأنه قدر (سماوي) حتمي، وليس لدينا اليد الوسطى في التغيير، ولا يمكن تفاديه حتى بقيمة استعمال العقل والتفكير المنطقي. هنا قد يشابه إدراك الذات (العليا) طبقات البصلة الملفوفة بالتعقيد النباتي، وفي فك طبقاتها تزداد العيون غزارة بكاء طوعي من المعاناة ، ومن بيان إكراه هم ِّحياة.
من قيمة قوة أداة (لماذا)، من خلال تتصدرها لجملة الاستفهام، تبقى هذه الأداة الانفصالية صعبة الجواب، وقد تُلزمنا التحري العميق (التفكيك والتركيب)، ويمكن لعدة سنين ابتغاء معرفة ماهية الفرق بين علة بكاء الولادة الأولى، وسبب الفرح الدائري. قد تُكون (لماذا) طبقات أسئلة متنافرة وغير متجانسة، لكنها قد تساعدنا هذه الطبقة (البصلية) من الأسئلة في معرفة السبب الأول والأصلي (البكاء) وبالعمق المستفيض. وفي العجز المخيف عن الإجابة الصريحة عمَّا تصدرته أسئلة لماذا؟ تبقى العلة مكهربة ومتخفية في همِّ الحياة. لكن، من تجليات خلخلة بنية العقل، قد نكتسب حكمة (توقف قليلا، وفكر قليلا في حلول متمركزة حول امتلاك الذات وتغيير المحيط).
حتما، طبيعة مشكلاتنا المتنوعة بالاختلاف والقياس والتأويل، تتحدد من قوة اختياراتنا لمعايير جودة الحياة ونوعية السعادة، التي نطمح إليها بسواعد التفكير لا بالمتمنيات. لكن، في غياب العلاقة الوثيقة بين الواقع وتحقيق الحلم، تبقى ضبابية الأشياء غير الصحيحة مثيرة للتجريب مثل سراب قيظ صيف.
من الأصعب المحطم للذات حين نجرب مقياسا خاطئا في تجلياته الوصفية، ومطلقاته الوجودية والعلمية. هنا تبقى الثقة المستوفية للكمال في المستقبل (البدال) قابل للترميم وتصويب المعاناة المؤلمة نحو متوجهات كوميديا طيعة والشعور بامتلاك أجوبة مستفزة عن أسئلة: لماذا؟ فالحكمة لا تسقط هبة من السماء، بل هي حتما بنية تأويل في التفكير المقارن المزدوج، والشيطان نفسه يُرجم شُهبا، حين يسترق أجوبة عن أسئلة: لماذا؟ هي نمطية التفكير (الماكر) في الانتقام المتبادل بين الإنسان ولعناته للشيطان، وهذا الأخير الذي لا يكلُّ تعبا من مداومة الإغراء والإغواء، وإخراج سُلالةِ آدم وحواء من الصراط المستقيم الدنيوي.
من العدل الأصولي حين تتنوع ثلة اليمين باليقين واليسر، والإيمان المطلق (من له بداية له نهاية)، وثلة اليسار بالإفك والافتراء والخديعة، ومعاودة نصب الفخاخ الشداد في استيفاء أجوبة مُشكلة ومحيرة عن سؤال: لماذا ؟ ففي بداية الجهل والغباء، يتم اختيار لحظات السوء المرتد، من تم يسبب الألم المتمرد، وعلى طول عشرات السنين بعد تلك البداية المرتبكة(الموت والحياة)، ولا تنفع الندامة متسعا من غياب معاودة تجربة أسلوب حياة (من له بداية له نهاية).
من التقابلات المستملحة (أنا) و(أنتم) وبصيغة التخصيص، نتشارك في الدمع الساقط (فلسفة لُفافة البصلة)، وفي البسمة المريحة والمتقطعة (بداية ولادة الألم)، من تم ننتقل نحو (نحن) بصيغة التعميم الكلي، والآخر الغائب عن فسحة جواب سؤال: لماذا؟ هنا يكون القياس متساويا في درجات السلم (قياس الذات)، ومختلفا بالتمام في قياس (الآخرين) بالجدال المتناقض والتأويل.
فالمشكلات قد تبقى عالقة. وفي تجاوز الإخفاق من إنتاج الحلول لها كليا، يكون من الأفضل تعليقها علوا، وترتيبها من سهل التفكيك إلى صعب المناولة. وفي هذا الترتيب يكون الزمن قادرا على إبراء النفس من الذنب والمعاناة، وامتلاك سلطة المعرفة الكلية للإجابة عن أسئلة تتقدم فيها أداة (لماذا) كعلامات استفهام قادمة من الحقيقة لا من الحيرة والارتباك.
***
محسن الأكرمين