بأقلامهم (حول منجزه)
المهدي التاريخي والروائي
حظي كتاب مدارات عقائدية ساخنة.. حوار في منحنيات الأسطرة واللامعقول الديني، للأستاذ الصديق ماجد الغرباوي، ومحاوره الاستاذ طارق الكناني، على اهتمام بحثي ونقدي من قبل المهتمين بالشأن الديني حاله حال اغلب الدراسات التي تتخذ من اللامعقول الديني محورا لها في محاولة منهم لإيجاد فهمٍ اكثر واقعية لموضوعات الدين او المذهب، وكونه بحثا شموليا يجيب على تساؤلات تحمل الكثير من الهمً الشيعي المعاش كقضية المهدي ونوابه الأربعة وما يتوقف على ذلك من مسألة الخمس وولاية الفقهاء .
ولعلنا نجد قارئا للكتاب مطلعا على محتوياته لا يرى فيه ايً جديد يستحق الإشادة او حتى استعراض بعض من فقراته دراسة او نقدا، اذ ان الحديث عن الولاية التكوينية او الرجعة او الشفاعة او حتى قضية المهدي هو اجترار للكلام دون جدوى .
وقد اتفق مع هذا القارئ فيما ذهب اليه، نعم هو اجترار للكلام دون جدوى، فعقيدتي ان بعض مما يسمونه عقائدا و متبنيات او حتى أصول مذهبية لا تناسب فكر وتطلعات المتلقي اليوم، وانها كانت تحاكي عقلية وسذاجة أبناء ذاك الزمان، ولذا النقاش في العقائد لا يستهويني كثيرا واراه مضيعة للوقت والجهد. غير أن الكتاب يعالج قضايا هي من صميم العقيدة، والناس بأمس الحاجة لمعرفة الحقائق الدينية، فاكتسب من هذه الجهة أهمية خاصة. كما أن الغرباوي كان بصدد الإجابة على أسئلة محاوره الاستاذ طارق الكناني.
لكن ما دعاني الى تسجيل بعض الملاحظات على كتاب مدارات الصديق ماجد الغرباوي رغم انه يدور في ذاك المدار هو بعض ردود الأفعال المتشنجة على الكتاب واتهام الكاتب بركوب موجة الإصلاح، وان كتابه يفتقر الى المنهج في دراسة الثوابت العقائدية .
ليس انتصارا للكاتب كصديق ونصرته ظالما اومظلوما، وانما لألفات النظر الى المنهج الذي اتبعه الأستاذ ماجد الغرباوي في مناقشته قضية المهدي والسفراء الأربعة الذي يجعل من الوقائع التاريخية حاكمة على صحة الواقعة وليس الرواية والخبر رغم ان قصة النواب الأربعة لا تسعفها لا رواية ولا خبر.
وهذه من أمهات المصائب التي ابتلي بها الفقهاء سنة وشيعة؛ اذ جعلوا استدلالاتهم مبتنية على الروايات واستنطاقها وقصر النظر عليها دون غيرها؛ فكل ما يحتاجونه يجدونه مسطورا في الروايات، حتى تعدى ذلك الاحكام الشرعية الى العقائد والتفسير، ودليل ذلك: ان القرآن لو اختفى عن الوجود سوف لن يختفي الفقه بل يبقى كما هو بتفاصيله وتفريعاته طالما البخاري والكافي بين أيديهم .
ينقل الدكتور سروش حوارا دار بين الشيخ الصادقي ـ وهو من دعاة الاستناد الى القرآن في الاستدلال على الاحكام الشرعية ـ وبين السيد الخميني ، يعترض فيه الشيخ الصادقي على فتوى الخميني حول جواز الزواج بالمرأة الزانية وانها لا تناسب الآية ٢٦ من سورة النور وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ، وفي الجواب يقول السيد الخميني انه لم يلحظ هذه الآية اثناء الفتوى .
وهذا الامر واضح جدا لمن خبر مجالس الفقهاء فالكتاب الوحيد الذي بين أيديهم هو وسائل الشيعة للحر العاملي .
وعلى الرغم من ان المنهج التاريخي في مناقشة ما تسالم عليه في العقائد على الخصوص في الوسط الشيعي ليس بالأمر الجديد، فقد دعى اليه الدكتور على شريعتي في الستينيات واتخذه منهجا في دراسة الاثمة الاثني عشر تحت عنوان "الامام التاريخي لا الروائي" فكان ينظر الى الامام من خلال الوقائع التاريخية وليس من خلال بحار الانوار، فالإمام التاريخي بشر ضمن حقبته الزمانية، وامام بحار الانوار كائن خارق للعادة، يتمتع بمعجزات تفوق معجزات الأنبياء.
وبقي منهج شريعتي هو السائد لمن جاء بعده فتبناه عبد الكريم سروش ودافع عنه اشد الدفاع وكذلك شبستري وملكيان وغيرهما من المفكرين الإيرانيين، وذهبوا به بعيدا حتى أصبحت الدراسات المذهبية لا تعنيهم كثيرا بقدر ما تعني رجال الدين ووعاظ المنبر ممن يعتاش على تلك التصورات ، فالمهدي انما يعني شيئا لرجل الدين وحده ولا يعني شيئا للفرد الشيعي.
وعليه فلإصلاح في المذهب الذي رفع لوائه شريعتي اصبح عند المفكرين المنتمين الى خطه مجرد ديكور على نافذة الاطلال .
يذكر أن المعروف عن ماجد الغرباوي أنه يوظّف مجموعة مناهج نقدية في بحوثه ودراساته، قد يغفل عنها غير الخبير، كالمنهج التحليلي، المقارن، الوصفي، والتأمل الفلسفي، ويرتكز دائما للتفكيك والحفر المعرفي. اضافة للمنهج التاريخي، وارتكازه للعقل قبل النقل، والقرآن دون الحديث في الاستدلال على آرائه في هذا الكتاب.
احمد الكناني