أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: تأملات وجودية: لماذا نحن هنا؟

منذ عصور، اشتبكت الانسانية مع لغز الوجود. الاديان نسبته الى خلق إلهي، بينما الفلاسفة استطلعوا جواهر أبدية مثل الروح. اما العلم فهو يقترح تطورا مرتكزا على الحظ من أشكال حية بسيطة. وبالرغم من هذه الرؤى المتنوعة، لايزال الجواب المحدد ملتبسا. منذ زمن سحيق، تسائل الناس عن الوجود الانساني. لسان حال الانسان يقول "انا محكوم علي بالفناء بسبب وجودي، ماذا سيحدث لو لم اكن موجودا؟".

الوجود الفردي ربما يحمل الكثير من القلق الشخصي والعاطفي، لكن الذي شغل الدين والفلسفة والعلم هو الوجود الجمعي. الاديان ترى الوجود الانساني كخلق لله. الفلاسفة حاولوا اثبات وجود الله من خلال الوجود ذاته. الحجة الكلاسيكية لوليم بالي William Paley تحاول اثبات وجود الله بالارتكاز على التصميم الظاهر في الكون والتعقيدية والغرض من أعضاء جسم الانسان مثل العين. الحجج الحديثة تؤيد وجود الله من خلال مبدأ كوني anthropic principle يشير الى ان الكون مضبوط بدقة لغرض الوجود الانساني. الجواب النهائي في الاديان الايمانية والفلسفات هو ذاته: وجود الانسان هو خلق الهي (1).

وفي السياق الهندي، أديان مثل الجاينية Jainism والفلسفات بما فيها سانخيا Sankhy و ميمانسا Mimansa تسعى للاجابة على لغز الوجود الانساني طبقا لجوهر أبدي – مثل atman و بوروشا purusha و جيفا Jiva و روح soul. جيفا تتخذ شكل انساني في دورة من الحياة والموت نتيجة للكارما و avida. المخطط الاساسي هو كالتالي: الروح تنتقل بين الولادات نتيجة للجهل او بسبب تأثير كارمي. الاديان الالحادية(بعض طوائف البوذية) والفلسفات فشلوا في الاجابة عن سبب بدء هذه الدورة من الحياة والموت؟ كيف جاءت الروح أول مرة لتدخل في عبودية تأخذ شكل ولادة؟ الفكر الالحادي الهندي يحاول تجنب هذا السؤال عبر استخدام مفهوم anadi(2)، وهو الجواب المألوف للاسئلة التي هو غير قادر على الاجابة عليها.

اذا كانت الاديان الملحدة والفلسفات تعاني من عدم انسجام منطقي، فان المؤمنين ليسوا أفضل حالا. في النظر الى الله كمحض او مكتف ذاتيا، هم يفشلون في إعطاء أي سبب لماذا خلق الله الانسان؟ على سبيل المثال، الاديان السامية تعتقد ان الله خلق الانسان من الرغبة. وبما ان الرغبة تنبع من النقص، فان قبول الرغبة في هذا السياق من شأنه ان يتعارض مع مفهوم الله الخالص.

الهندوسية، كونها يقظة لهذه المشكلة، تصف خلق الله للانسان كـ لعبة في الخلق Lila. هذه اللعبة لا تعني مزاح، انها انيرفاشتيا – لايمكن توضيحها من خلال الكلام. ومهما كان التوضيح ذكيا، انه لا يكفي.

العلم – وهو آخر الداخلين للنقاش – يحاول توضيح الوجود الانساني كمحصلة قائمة على الصدفة لتفاعل أعمى بين المادة والقوى مؤديا الى تطور بايولوجي وكيميائي. الكيمياء أنتجت جزيئات معقدة ذاتية التكاثر قادت الى ظهور الحياة في كائنات وحيدة الخلية. أشكال حياة أبسط تطورت تدريجيا الى أشكال حياتية اكثر تعقيدا، بما فيها الانسان. طبقا لتيار العلم السائد، وجود الانسان هو فقط خاصية طارئة للكون. لا ضمان في ظل حظ آخر، ان ينتج الكون مرة اخرى حياة او انسان.

حتى بعد آلاف السنين من تأمل أحسن العقول في وجود الانسان، يبقى السؤال بلا جواب حتى هذا اليوم. العديد من العلماء البارزين بمن فيهم اينشتاين، لم يكونوا مرتاحين لفكرة ان الكون محصلة لتفاعل أعمى قائم على الصدفة بين المادة والقوى. من جهة اخرى، توضيح وجود الانسان كخلق لله او كدورة أبدية ناتجة عن عبودية الروح للمادة فيه عدم انسجام منطقي سمح به العديد من المفكرين.

في عالم يواجه تحديات وجودية متزايدة، سيكون توضيح وجود الانسان والاعتراف بقيمة الحياة دائما ذو أهمية كبيرة. المستقبل ربما لديه جواب أفضل لسبب وجودنا.

***

حاتم حميد محسن

.......................

الهوامش

(1) The times of india, July14,2025

(2) مفهوم لوجود أبدي بلا بداية، شيء بلا زمن ولم يُخلق.

 

في المثقف اليوم