أقلام فكرية
عبد الحليم لوكيلي: بعض الاستعمالات السلبية للغة

ما الاستعمالات السلبية للغة من وجهة نظر توماس هوبز[2]؟
يجيبنا هوبز عن هذا التساؤل بكون اللغة في استعمالنا الخاص لها، يمكن أن تستخدم بكيفية سلبية. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يمكن بسط تلك الاستعمالات اللغوية السلبية في العناصر الآتية:[3]
أولا؛ تستخدم اللغة بكيفية سلبية، حينما يستعمل المرء مجموعة من الكلمات والأسماء التي لا يدرك معناها. معنى ذلك، أن الكثير من البشر يستعملون الكلمات والأسماء دون إدراك لمعانيها ودلالتها، بل أكثر من ذلك، فأحيانا تستعمل بعض الكلمات والأسماء فقط لكونها متداولة بين الناس، لكن أن تدرك كل الذوات حقيقة الكلمات المستعملة، فهو أمر محال في الكثير من السياقات البشرية. وخير مثال على ذلك، ما كان يقوم به سقراط في محاورته لبعض السفسطائيين، بحيث كان يسألهم عن بعض المفاهيم مثل العدل والأخلاق...، لكن إجابتهم كانت ذات طابع عمومي للكلمات، مما يفيد أن استعمال الناس للكلمات والأسماء، لا يفيد بالضرورة أنهم على علم ودراية بها. إن استخدام كلمات وأسماء بكيفية غير مدركة لمعانيها الأصيلة، له تبعاته السلبية التي قد تؤدي إلى النزاع والشجار، وأحيانا إلى الحروب.
ثانيا؛ تستخدم اللغة بكيفية سلبية، حينما يقدم المرء على استعمال الكلمات المجازية، بما هي كلمات لا تقوم على حقيقة الشيء، وإنما على معان استعارية متخيلة، تتطلب التأويل والتفسير بغية إخراج المعنى المجهول، من الكلام المعلوم. وإذا كان الأمر كذلك، فإن استعمال الكلام بكيفية مجازية، قد يؤدي إلى خلق نوع من سوء الفهم في أفهام الناس، بحيث لا يقدرون على التوافق بشأن كلمة من الكلمات التي تحتاج إلى تفسير، لإخراج ومعرفة دلالات أصحابها.
ثالثا؛ ما دام الإنسان محبا لما يملك في ذاته أو لذاته، فإنه في عملية إبداعه لجملة من الكلمات والأسماء، قد يعتبرها شأنا خاصا به. غير أن هذا الأمر لا يطرح مشكلة، من حيث إن حب التملك هوى إنساني، بينما المشكلة تقع حينما يبدع الإنسان كلمات قد تكون فارغة من المعنى، مثل تلك الكلمات التي كانت متداولة في التقليدين الفلسفي واللاهوتي الوسيطين، والتي لا تفيد في شيء، كالأقنوم، وتحول خبز القربان إلى جسد المسيح ودمه، الآن الأزلي...إلخ.
رابعا؛ لئن كانت اللغة من حيث الاستخدام الإيجابي تستعمل للهو والتنكيت لبعث الفرح لدى البشر، فإن اللغة في استخدامها السلبي يمكن أن تكون وسيلة لإداية الناس. فاللغة بما هي قوة تحملها الذات البشرية، فإنه يمكن أن تستعمل بكيفية سلبية تؤدي إلى خلق فضاء للصراع بين الناس، لاسيما، في استعمال بعض الكلمات التي تقلل من شأن الإنسان كإنسان. يقول هوبز: «والرابعة هي عندما يستخدمونها ليؤذي بعضهم بعضا: وبما أن الطبيعة قد سلحت المخلوقات الحية بعضها بالأسنان، وبعضها بالقرون، وأخرى بالأيدي لتؤذي عدوها، فإنه لمن إساءة استخدام النطق أن نؤذيه باللسان، ما لم يكن إنسانا نحن مجبرون على أن نحكمه، فعندئذ لا يكون الغرض أن نؤديه وإنما أن نؤدبه ونصلحه.»[4].
وبناء على ما سبق، نستنتج أن اللغة حتى وإن كانت من الأدوات الأساسية التي لا غنى عنها في حياة الإنسان، فإن اللغة باعتبارها صناعة بشرية، لها القابلية لكي تستعمل بطرق تكاد تكون أحيانا عامة تبتغي تحويل الخطاب الذهني إلى كلمات وأسماء شفوية هدفها تذكر ما مضى-الربط بينه، أو خاصة تبتغي معرفة أسباب الأشياء، وتعليمها، والتعبير عن إرادة صاحبها ورغباته، والترويح عن النفس. لكن، إن كان الاستخدام الخاص إيجابيا أحيانا، فإنه يمكن أن تستعمل بكيفية سيئة حينما تقوم على مجموعة من الأسماء والكلمات الفارغة من المعنى.
***
د. لوكيلي عبد الحليم - باحث في الفلسفة-المغرب
......................
[2] توماس هوبز (Thomas Hobbes) فيلسوف وعالم رياضيات وفيزياء إنجليزي ولد يوم 5 أبريل من سنة 1588م في مدينة مالميسبري (Malmesbury)، وتوفي يوم 4 دجنبر من سنة 1679م. اشتهر بنظريته في مجال الفلسفة السياسية أو المدنية، غير أن له اهتمامات فلسفية في مجالات أخرى كالتاريخ والفيزياء والأخلاق واللاهوت...إلخ. ولعل من أهم أعماله التي تعد مصدرا أساسيا في تاريخ الفلسفة هو كتابه التنين أو اللفياثان (Léviathan).
[3] توماس هوبز. اللفياثان: الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة. ترجمة ديانا حرب وبشرى صعب؛ مراجعة وتقديم رضوان السيد. ط. 1. (أبوظبي: معهد أبو ظبي للثقافة والثرات، 2011). ص.41.
[4] توماس هوبز، اللفياثان، مصدر سابق، ص.41.