أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: هل يمكن العثور على معنى في عالم بلا معنى؟

هل هناك معنى للوجود الانساني ام انه بلا معنى؟ اذا كان هناك معنى لحياة الانسان فما الذي يعطي لحياته ذلك المعنى؟ بعض الوجوديين مثل سارتر تسائل ان كانت الحياة بطبيعها خالية من المعنى؟ اذا كان الامر هكذا كيف يمكن ان يعيش المرء ويجد القناعة في عالم خالي من المعنى؟ هذه هي الأسئلة الاساسية في الفلسفة الوجودية. هي أساسية لأن اسئلة المعنى واللامعنى هي "مخاوف اساسية" سائدة في كل مكان حسبما جاء في كتاب Tillich 1952 و Yalom,1980.

اما فكتور فرانك (1985) يزعم اننا مخلوقات نبحث فطريا عن المعنى، ويمكن القول ايضا اننا قلقون بالوجود وبرغبة متقدة لا تنطفيء، تدفعنا حاجة مستمرة لنعرف ونحاول ايجاد معنى لكل من العالمين الداخلي والخارجي اللذين نقيم فيهما. هذه الرغبة الملحّة للمعنى والتي عادة ما تكون واعية لكنها في أغلب الاحيان غير واعية هي ما تدفع الناس للبحث عن علاج نفسي. نعم، ظاهريا ان معاناتهم تنبثق من أعراض عصابية او ذهانية، الخسارة والندم، الإغتراب او صراعات العلاقات، قلق وجودي. ذلك يحفز المرء للبحث عن مساعدة نفسية، لكن وراء تلك الأعراض والمعاناة تختفي "الاسئلة الكبرى": "لماذا هناك الكثير من الشر والمعاناة في العالم؟"لماذا اعاني؟"، اذا كان هناك إله، كيف يسمح بهذه المعاناة؟ ما أهمية المعاناة الانسانية؟ نحن نرغب يائسين لإيجاد معنى لوجود يبدو عبثيا. في الحقيقة، يمكن القول وقد قيل من جانب علماء نفس بارزين مثل كارل جنك و اوتو رانك و فكتور فرانك و رولو ماي بان السبب الحقيقي لمعظم المعاناة الانسانية هو الإحساس العميق باللامعنى والعبثية.

فمثلا، فرانك (1985) الذي يرى ان الكائن البشري يمتلك رغبة فطرية للمعنى والتي، عندما تُحبط بشكل مزمن تؤدي الى "فراغ وجودي" او فراغ اللامعنى – وهو ينسب الإكتئاب اواليأس الى التجربة الذاتية لمعاناة اللامعنى (D=S-M)(1). في الحقيقة، بعض الدراسات أشارت الى الارتباط  بين المعنى والاخلاق طوال حياة المرء، بينما دراسات اخرى اشارت الى ان 68%من المرضى الخارجيين الذين يدخلون عيادات العلاج النفسي قالوا ان حاجتهم لزيادة معنى الحياة كانت حافزا هاما للبحث عن علاج. العبثية بوضوح هي السبب الرئيسي للدخول لعيادات العلاج النفسي. لكن هذا يطرح السؤال الكبير: هل يمكن للعلاج النفسي ان يجعل الحياة ذات معنى؟ هل يمكن معالجة اللامعنى نفسيا او تحسينه علاجيا؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟

لاحظ عالِم النفس الوجودي الامريكي Rollo May(1909-1994) انه وجد ان العلاج المعاصر متعلق بالكامل بمشاكل بحث الفرد عن الاساطير. الاسطورة هي طريقة لخلق معنى في عالم بلا معنى. الأساطير هي قصص تعطي أهمية لوجودنا"(ص9-15). ويستمر ماي ليقول "ما اذا كان معنى الوجود هو فقط ما نضع في الحياة عبر صمودنا الفردي، كما اعتقد سارتر، او ما اذا كان هناك معنى نحتاج اكتشافه، كما ذكر كيركيجارد، النتيجة هي ذاتها: الأساطير هي طريقتنا في ايجاد هذا المعنى والأهمية "(ص15).

اللا اسطورة تعني اللا معنى. الاساطير بفضل ما تحتويه من معنى، تقدم ترياقا للظروف السامة للعبثية المتصورة. الميثولوجيا هي المحور المركزي في تحليلات يونغ Jung، وتهدف لصنع احساس ذو معنى في تجربة المريض وتضعها في منظور نموذجي أكبر كجزء من ظروف الانسان.

وكما يفهم جنك، الميثولوجيا تكشف ان تجربتنا، وبالذات معاناتنا، ليست فقط شخصية وانما ايضا متجاوزة او فوق شخصية. بما ان الاساطير تدمج الحقائق الأبدية المتعلقة بظروف الانسان المنبثقة من تاريخنا الجمعي المشترك، فهي تستطيع جعل الحياة أغنى واكثر هدفية وتساعد في تهدئة إحساسنا الوجودي بالوحدة والإغتراب.

***

حاتم حميد محسن

........................

الهوامش

(1) هذه المعادلة ترمز الى ان (اليأس Despair يساوي المعاناة S ناقص المعنى M) وتُنسب الى فكتور فرانك مؤسس Logotherapy العلاج بالمعنى، وتؤكد على أهمية ايجاد معنى في المعاناة لتخفيف وتهدئة اليأس.

 

في المثقف اليوم