أقلام فكرية
حاتم حميد محسن: جواب الله لنيتشة.. فلسفة كيركيجارد

تُعد الوجودية من الفلسفات العظيمة، لكن كيف يمكن لنا التفاعل مع افكارها اذا كنا لا نعتقد بموت الإله؟ لحسن الحظ هناك حل لما نريد بالضبط. الوجودية تبقى بالنسبة للشخص العادي منْ أشهر الفلسفات الجديرة بالقراءة والدراسة. الأسئلة التي تطرحها الوجودية والمشاكل التي تواجهها مثل الرغبة الحرة، والقلق، والبحث عن المعنى، هي ما نواجهه في حياتنا اليومية. وبينما قد لا تنجح الحلول التي تقدمها الوجودية مع كل شخص، فهي قد تكون فيها حلا عندما تحاول الإجابة على الدين. نيتشه صرح بموت الإله، سارتر وكامو وبوفوار جميعهم كانوا ملحدين، وكل ما يتصل بفلسفة العدم ايضا ينكر وجود الله.
بالنسبة للفرد الديني الذي يبحث عن راحة اضافية من القلق الوجودي ومنظور الوجوديين حول مشاكل الحياة الحديثة، يجد من الصعب العثور على أجوبة جيدة. لكن هناك مفكر وجودي جعل المسيحية أحدى المبادئ المركزية في فلسفته هو مؤسس الوجودية سورن كيركيجارد.
كان كيركيجارد فيلسوفا دانيماركيا وُلد في عائلة ثرية في كوبنهاغن في بداية القرن التاسع عشر. هو كان كاتبا غزير الانتاج استعمل اسماءً مستعارة لإستطلاع منظورات اخرى. غطى في عمله كل مجالات الفكر الوجودي: القلق، السخافة، الاصالة، اليأس، البحث عن المعنى، الفردية. لكن خلافا للملحدين الذين أعقبوه، هو وضع ايمانه في جوهر الحلول لمشكلة حياة الانسان. مثلما كان موت الإله عنصرا رئيسيا لنيتشه، كانت الحاجة الى الله أساسية لكيركيجارد. لنأتي الآن الى بعض رؤاه:
حول العثور على المعنى
يوافق كيركيجارد بان الحياة يمكن ان تكون سخيفة والمعنى قد يصعب العثور عليه. وبالضد من نيتشه الذي قال ان موت الاله هو سبب ذلك، كيركيجارد جادل بانه، في العصر الحالي، المعنى افرغ من المفاهيم بواسطة التجريد والميل للنظر الى الاشياء بعقلانية كبيرة. هو شكا من انه عاش في عصر نُظر فيه للناس كتعميمات حيث نُظر الى الرجل العاطفي كغير معتدل، وحيث معظم الناس يقبلون ذلك دون معارضة.
هو يدعونا لنعيش عاطفيا، وان نقلق كثيرا حول مشكلة عيش الحياة بدلا من محاولة الانسجام مع النظام الاجتماعي. فلسفته كلها تدور حول العيش بهذه الطريقة، حتى الى النقطة التي يكون فيها المراقب الخارجي غير قادر على فهم حوافزك. كيركيجارد اكتشف ايضا النقطة التي جرى التأكيد عليها من جانب الوجوديين اللاحقين، العقل والعلم يمكن ان يقولا الكثير عن الاشياء، لكنهما لايستطيعان ان يمنحا القيمة والمعنى للشيء. عليك ان تقوم بذلك. المعنى، القيمة، والهدف لايمكن اختزالهم لعنصر كمي، انه متروك للفرد ليتصرف بذاته ليقرر ما سيكون عليه معنى حياته. حلّه المفضل لايجاد المعنى هو عبر النظر الى الله واجراء قفزة الايمان. تلك القفزة وحدها، كما يقول، تقدم لنا المعنى والتوازن الصحيح كأشخاص.
حول العيش بحرية
نحن يجب ان نواجه العالم كأفراد، هكذا يخبرنا كيركيجارد. لكن هو يعلن اننا لكي نجسد أنفسنا بالكامل يجب على الفرد ان يدرك "القوة التي شكلته". نحن مُنحنا الضرورة الاخلاقية لنكتشف ونعيش كما نحن انفسنا، والله هو جزء أساسي من تلك الضرورة. كل يوم تُعرض علينا حقائق عن الحياة والإمكانات، ونحن يجب ان نتخذ خيارات. ان لا نختار هو ايضا خيار لكنه خيار سيء. حين نتجنب ان نجسد أنفسنا هذا هو يأس يعتبره كيركيجارد خطيئة. هو يحذرنا ايضا من القلق الذي يأتي مع اختيار المسار لحياتنا. بينما نحن يجب ان نختار، نحن لايمكن ابدا ان نتأكد اننا نختار بشكل صحيح، لأن "الحياة يمكن فهمها فقط رجوعا الى الوراء، لكنها يجب ان تُعاش قدما الى الامام". وفي نفس الطريقة، نحن امامنا امكانات لامتناهية، ماعدى تلك الحياة التي نختار عدم امتلاكها. هو يعبّر عن القلق الناجم عن الاضطرار الى اختيار عدم عيش بعض الامكانات بشكل رائع، "عندما تتزوج، انت سوف تندم، اذا لم تتزوج، انت سوف تندم ايضا، اذا تتزوج او لا تتزوج، انت سوف تندم في كلتا الحالتين، عندما تضحك على حماقات العالم، انت سوف تندم، وعندما تبكي عليها، انت سوف تندم على ذلك، سواء كنت تضحك على حماقات العالم او تبكي عليها، ..".
كما في نيتشه، كيركيجارد ايضا رأى امكانية "المعتقدات" isms في حل مشكلة المعنى في حياتنا. يركز كيركيجارد على فكرة الحياة "الاخلاقية" باعتبارها مهربا من اتخاذ قرار بشأن المعنى للذات. عبر اختيار أنظمة اجتماعية او اخلاقية للتشبث بها، يمكننا ان نجد المعنى في علاقاتنا بها بدلا من انفسنا. هو يرى هذا كامكانية للعديد من الناس لكنها ليست كحل مثالي لمشاكلنا.
أحد حلول كيركيجارد لمشكلة المعنى كانت صنف مسيحي للانسان الخارق قبل ان يخترعه نيتشه هو فارس الايمان knight of faith : فرد انتقل وراء الوثوق بالعقلانية الخارجية او "المعتقد" لتبرير حياته وتكريس نفسه بالكامل لنداء أعلى. هذا النداء هو الله ومثال كيركيجارد هو ابراهيم ومريم(1).
هو يفهم ان طلبات الله ربما غير أخلاقية كالطلب من ابراهيم قتل ابنه. لكن فارس الايمان، يستمر في اهتماماته الاخلاقية السابقة، لأنه لكي تكون فارس ايمان يعني ان تكون وراء الخير والشر.
فوائد الوجودية لايجب ان تكون منفصلة تماما عن الفكرة المسيحية لله. ونفس الشيء، رؤى كيركيجارد لاتتطلب الالتزام باستخدام المسيحية. هو جادل بان "الوثني العاطفي" الذي يصلي لصنم كاذب هو أفضل من المسيحي الذي يعبد من مجرد العادة. حتى بالنسبة لاولئك الذين هم غير مسيحيين، من الممكن ان نفهم اكثر حول انفسنا والمشاكل التي نواجهها كبشر عبر دراسة الرؤية العالمية لكيركيجارد.
لاولئك الذين يرون مشكلة محتملة هنا. يلاحظ كيركيجارد في كتاب (خوف وارتعاش) بعض الطرق يجب استعمالها لتقرير من هم فرسان الايمان ومن هم فقط مرضى نفسيين. ونفس الشيء، بينما يمكن للفرسان ان يستوحوا من الله لعمل أشياء فظيعة وغريبة (مثل التضحية بالاطفال او اختراع الختان) من خلال حماس ديني، يؤكد كيركيجارد بان الفارس النموذجي سيكون متحفظا ونحن ربما لن نسمع عنه ابدا.
***
حاتم حميد محسن
.......................
الهامش
(1) في فلسفة كير كيجارد، يمثل فارس الايمان أعلى أشكال الايمان، وقد تجسّد برغبة ابراهيم في التضحية بابنه اسحق. هذا الفرد يعمل قفزة ايمان، يقبل الطبيعة المتناقضة والسخيفة للعقيدة الدينية خاصة عندما تتعارض مع العادات الاخلاقية او التفكير المنطقي. فارس الايمان يؤمن بفكرة ان أي شيء ممكن مع الله حتى استعادة ما تم التخلي عنه سابقا من خلال الايمان وحده. فارس الايمان يعيش حياة سعيدة ومطمئنة، يؤمن حقا في المستحيل حتى في العالم المادي المحدود. هو يضع الله فوق كل شيء.