أقلام فكرية

اسعد شريف الامارة: اللغة.. هي اللاشعور – اللاوعي

اللغة هي ما نريد قوله بأسلوب كل منا، وهناك فروق فردية بين الأفراد في طريقة إيصال الكلمة أو الفكرة ونحن نعرف أن الكلمة تبقى هي الوسيط بين البشر وكما علمنا التحليل النفسي بأن الإنسان بما هو إنسان بقدر ما يتكلم ، وهناك فروق في الفرد نفسه في اللغة التي يتكلم بها، وهي أسلوبه في كيفية طرح ما يريد قوله، من حيث نغمة الفرح أو الحزن في الكلام، وهي بنفس الوقت تعبر عن لحظات الموقف الذي يتكلم به الشخص وهي كيفية استخراج أصوات الكلمة، أو الكلمات والجمل التي تكون مرتبطة بعضها البعض، فهي نمط شخصياتنا، نريد إيصاله لمن نتحدث معه، هي التي تجمعت وتراكمت وغدت لغة اللاشعور – اللاوعي، تعطي الاحترام لمن نتحدث معهم تارة، وتارة أخرى تعطي عدم الرضا، آه.. عندما نُجبر على قول ما لا نريد قوله، نرفضه ونخاف من هذا الرفض، فيداهمنا شيء من أعماق اللاشعور – اللاوعي هي الهفوات، أو ربما زلات اللسان والقلم، إذن لغتنا هي لاشعورنا – لاوعينا، وما نَكَنهُ للمقابل، في فرحٍ أو لحظة حزن، هو تمثيل نجاري به المواقف الحياتية، هي شخصياتنا.. علمنا بذلك، أم تغافلنا عن هذه المعرفة.

اللغة تكشف عما يدور في دواخلنا حتى وإن تم كبت ما نكرهه وما يؤلمنا، وما أحدث فينا شرخ في النفس، لابد وأن يعود، عودة المكبوت بسلوك آخر، لا كما كُبتَ، لؤم، أنانية، حقد دفين، كره لا يطاق لمن نتعامل معهم في الخفاء وتكشفه الهفوة في العلن، إنها النفس التي تخبئ بين حناياها ما لا نريد قوله، ولكنه يظهر، حتمًا سيظهر وإن كنا مع أقرب الناس معنا وهن زوجاتنا، إذا ما أصبحت موطن أسرارنا، وهو بالتأكيد لأنها تسمع تآوهاتنا في اللحظات الحميمة خلال العلاقة، وهي كذلك. أنه أمر محير أننا نعرف أنفسنا ولا نريد معرفتها !! هي اللغة الوسيط الذي به نستعين، وبه يكشف المضموم، المتخبأ لكل ما في أنفسنا. ويزودنا " فريدناند دي سوسير" عالم اللغة السويسري بأن الكلام الحقيقي والكلام الكامن بقوله: نسمي مقطعًا ما كان كلامًا حقيقيًا، وهو التوليفة من العناصر المحتواة في قطعة من كلام متحقق، أو هو أيضًا النظام الذي ترتبط بموجبه العناصر فيما بينها، من خلال ما يليها وما يسبقها، وهو مقابل للتوازي، أو الكلام الكامن " سوسير، في جوهري اللغة، ص 210" ويضيف " سوسير " إن التوازي أحادي الطرف للماضي غير المحدد هو ذلك الذي يجمع بين، من خلال استحضار وحدة فكرة ما. واستعراضها في الإبدال، وعلى رأي "سوسير" أن نستخرج مباشرة في كل لسان، وفي كل فترة من فترات وجوده، فضلا عن أننا نستطيع في بعض الأحيان التعرف على الظروف الموسومة بـ الصوتية، التي ينشأ فيها عنصري الإبدال، أو أحدهما على الأقل.. أنه اللاشعور – اللاوعي الذي يتحكم في لغتنا، وكان محقًا المحلل النفسي الفرنسي " جاك لاكان " قوله بأن للاشعور – للاوعي لغة خاصة. وقوله " نحن مسؤولون عن لاوعينا – لاشعورنا " وقوله أيضًا: الذات مسؤولة عن لاوعيها – لاشعورها. لذا فهو على حق حينما يقول أن اللاوعي – اللاشعور مبنيًا مثل لغة. واللغة عند "جاك لاكان" هو الواقعي الذي يرتبط به الرمزي والخيالي عن طريق هذه اللغة والخيالات – التخييل " دون أن يستنفذاه، بحيث يبقى الواقعي في مكانه، ويكتفي الخيالي وضع حجاب عليه، ويحاول الرمزي إيجاد وجهة له مقصيًا إياه حتى يصبح الواقعي ممكنًا، أي يتحول إلى واقع، وبذلك فالهذيان ناجم عن انبثاق الواقعي مستحيل، وهو في الوقت نفسه محاولة لدرء عنف هذا الواقعي المستحيل " النص منقول".

ولو عدنا إلى أن اللاشعور – اللاوعي باعتباره حامل خبايا اللغة ونقول عبر التخييل حيث أورده "سيجموند فرويد" في كتابه الشهير تفسير الأحلام حيث يشير إلى التخييلات بوصفها أبنية Structures  كذلك يشير إلى وجود عدد وفير من التخييلات في النطاق اللاشعوري – اللاواعي كما تدونها " د. نيفين في كتابها التخييل" ويحق لنا القول بأن للاحلام

لغة، وما نتحدث عنه من لغةٍ هي من بقايا تم خزنها في اللاشعور – اللاوعي، وأزاء ذلك فإن الكبت يظل مطلق القوى، إنه يسبب الكف للأفكار في لحظة تولدها، وقبل أن يفطن لها الشعور، ذلك إذا كان من شأن شحنتها أن تستثير اللا - لذة " نيفين زيور – التخييل ص24" ولذلك حينما نتكلم بلغة ونحاول إيصال فكرة، أو موضوع فإننا نتهيب " رهبة " الكلمات، ونوع الخطاب في الحديث أمام المقابل الذي يستمع لنا، ويتدخل الكف في أحيان كثيرة، وَيُستدرج الكبت بلغة اللاشعور – اللاوعي مهابة الحديث، فتفلت الكلمات وتحضر بهفوة، أو زلة لسان، هذا هو تأثير خبايا اللاشعور – اللاوعي في ما نريد قوله. إذن أن الحقيقة لا تقال كلها في لغة الكلام والتحدث، تظهر مُجَملةٌ – محسنة قدر المستطاع، ويكون حديثنا إلى من هو، إلى هو؟

ولو عدنا مرة أخرى لرؤية "جاك لاكان" عن اللغة وجدنا أن اللاوعي – اللاشعور مبني مثل لغة كما ذكرنا في السطور الماضية، ويذكر "جان ميشال بالميي" قوله: لقد أظهرت لنا الملاحظات السالفة كيف يمكن التعبير عن آليات الدفاع من خلال عمليات لسانية، صيغ بلاغية تضيء تُشكل العرض العصابي، إلا أن كل ذلك لا يكتسب معناه إلا عبر الاقرار بهذه الأطروحة الأساس: إن اللاوعي – اللاشعور يشاغل اشتغال لغة مَبنية " جان ميشال بالميي، تشكلات اللاوعي.

 " ويفترض " Meringer  " أن الأصوات المنطوقة المختلفة لها تكافؤ نفسي مختلف، فعندما ننطق الصوت الأول في الكلمة أو في الجملة بتعصيب فإن عملية الإثارة تمتد بالفعل إلى الأصوات اللاحقة والكلمات التالية، ويضيف أيضًا قوله إذا أردنا معرفة أي صوت في شدة أعلى، يجب أن نلاحظ أنفسنا عندما نبحث عن كلمة منسية، أو أسم شخص، فأول أسم يعود إلى الوعي هو من له أكبر كثافة قبل نسيان الكلمة، كما أن الأصوات ذات التكافؤ الأعلى هي الصوت الأول في المقاطع، والصوت الأول في الكلمة وأحرف العلة، هذه الرؤية يختلف معها "سيجموند فرويد" مؤسس التحليل النفسي قوله: لا يسعني سوى معارضته فسواء كان الصوت الأول أحد عناصر التكافؤ الأعلى لكلمة أم لا، فمن غير الصحيح بالتأكيد أنه أول من يعود إلى الوعي في كلمة منسية، لذلك فإن القاعدة المذكورة أعلاه غير قابلة للتطبيق" فرويد، علم النفس المرضي، ص 52" وخلاصة القول نستعير هذا النص: إن ما يقبع في اللاشعور – اللاوعي هو ما تنحني أمام سلطانه رقاب الناس.

***

د. اسعد شريف الامارة

في المثقف اليوم