أقلام فكرية
علي محمد اليوسف: ميرلوبونتي المصطلح الفلسفي وميتافيزيقا المفهوم
تمهيد: سبق لي ونشرت مقالة بعنوان (ميرلوبونتي ونفي واقعية الحقيقة) وهذه المقالة تكملة لها.
يذهب ميرلوبونتي نحو تناول موضوعات كلاسيكية بالفلسفة بنوع من التغريب الذي يثير نوعا من الحساسية الفلسفية. فهو مثلا لا يعترف بوجود (ذات) مدخّرة في عالم الانسان الداخلي كما ذهب له القديس اوغسطين. طالما ان هذه الذات لا يمكننا التحقق منها كموجود يمتلك استقلاليته الا في مغايرتها المعاشة ضمن عالم خارجي يحتويها.
ويذهب ميرلوبونتي ابعد اكثر الى ان العالم الخارجي ليس حقيقة. وكذلك (الذات) ليست حقيقة.أعتقد انه من المتفق عليه انه بدلالة العالم الخارجي ندرك ذواتنا بمغايرة ادراكاتنا الموجودات. وليس بهذه الخاصية الادراكية المتفردة نستطيع معرفة حقيقة العالم الخارجي ايضا.الذات جوهرفردي لا وجود حقيقي له سوى بالمغايرة الادراكية العقلية للاشياء والتفكير بما حولنا من موجودات في عالمنا الخارجي والطبيعة وموضوعات الخيال الميتافيزيقي.
العالم الخارجي مفهوم وليس مصطلحا لكينونة وجودية متعيّنة ماديا محدودة بابعاد الموضوع سواء اكان الموضوع ماديا أو غير مادي يدركه العقل ويمكنه بها معالجة العالم الخارجي كموضوعات. متى يكون موضوع تفكير العقل غير مادي؟ كل مواضيع تفكير العقل المستمدة من الخيال هي غير مادية بمعنى هي تجريد صوري تتمثّل الواقع. إنها تصورات ذهنية يبتدعها العقل ويعبّر عنها لغويا او يتم التعبير عنها بأنشطة ادبية وفنية. وحتى الصمت الحركي جسديا كما في المسرح الصامت واليوغا واوضاع حركات الجسم الايحائية غير الناطقة لغويا كما في الرقص والباليه وطقوس العبادات الصوفية الوثنية منها والتوحيدية على السواء.
في الواقع ميرلوبونتي كان قريبا جدا من فلاسفة الوجودية وفينامينالوجيا هوسرل وهو محسوب فلسفيا عليهما لذا نجده يكرر المرادف الفلسفي للذات على انها وعي قصدي يحتاج العالم الخارجي لتوكيد ذاتيته الموجودية بالمغايرة في تاكيد وجوده وسط عالم يحتويه كانسان. والذات من دون وعي قصدي هادف يلازمها سلوكيا ومعرفيا لا وجود حقيقي لها على ارض الواقع.
كما انكر ميرلوبونتي مقولة القديس اوغسطين اعتباره الحقيقية – هكذا وردت في اطلاقية غير محددة في ترجمة دكتور زكريا ابراهيم لم يذكر بأي نوع من الحقيقة يقصد اوغسطين كون الحقيقة مفهوما فلسفيا مطلقا يصل احيانا حد البحث عنها يكون ضربا من الميتافيزيقا. والحقيقة ليست مصطلحا فلسفيا متفقا عليه محدود الدلالة بل هي مفهوم لا نهائي مطلق . انكر ميرلوبونتي مقولة اوغسطين الحقيقة وجودها العالم الداخلي للانسان وهي ادانة صريحة واضحة صائبة. والذات ليست حقيقة استبطانية يدّخرها العالم الداخلي للانسان. متعللا ميرلوبونتي بالمقولة الفلسفية عن الوعي القصدي التي تذهب الى ان الذات لا تعي وتدرك نفسها الا بالمغايرة الموجودية مع محتويات العالم الخارجي الذي ايضا انكره ميرلوبونتي ان يكون وجودا تتحدد موجودية الانسان بدلالة ادراكه العالم الخارجي.
ميرلوبونتي سقط في فخ انه ليس للذات علاقة تعريفية لها لا بوجودها خالصا وهو محال ولا في ادراكاتها ولا بمعيارية علاقتها بالعالم الداخلي ولا بالعالم الخارجي. اي وضع الذات في تصور ميتافيزيقي يتارجح بين اليقينية الواقعية والغياب التام عن الوجود. بينما الذات هي جوهر معطى لا وجود لما يسمى انسان من دونها وهو لا يمتلك ذاتا تلازمه. الذات كينونة الانسان في موجوديته وليست صفة خارجية ولا داخلية تلازمه.
الشيء الذي يمكنننا التعقيب عليه هو ان التوليفة الثلاثية (الذات والعالم الخارجي والعالم الداخلي) انما هي توليفة من الصعب الغاء التعالق الادراكي المتواشج بينها رغم أن كلا منها تحمل استقلالية موجودية كمواضيع متفردة بخصائص نوعية فيزيائية فلسفية ومعرفية يمكن ادراكها بانفصالية واحدة عن الاخرى كمصطلحات متفق عليهما.
لا الذات ولا العالم الخارجي ولا عالم الانسان الداخلي بدون العلائقية التعالقية الادراكية بينهم ثلاثتهم ينتفي ان تعرف الذات كموضوع مستقل استقلالية تقوم على نوع من المقايسة المغايرة لثنائية الاخريتين منفصلتين احداهما عن الاخرى العالم الخارجي والعالم الداخلي وانفصالهما عن الذات بالتخارج التكاملي المعرفي مع الذات وعن العلاقة البينية التي تجمع بين العالمين ايضا بدون وعي ادراكي ذاتي يتوسطهما.. الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها بابتذالية فلسفية قولنا اننا ندرك العلاقات البينية بين عالمي الانسان الخارجي والداخلي من دون حضور الذات كوسيط فاعل غير محايد بينهما. هذا بمنطق الفلسفة يسمى هراء.
احتفاظنا بالافتراض الخاطيء بوجود ذات مستقلة عن روابطها وعلاقاتها المتواشجة المشتبكة بمختلف امور الوجود وموجودات العالم الخارجي وأحاسيس استشعارات الجسم الداخلية لاشباع حاجاته البيولوجية والغريزية . تكون تصوراتنا جميعها عن العالم الداخلي هو محض هراء فلسفي افتعالي من المحال ان نجد تحققه لا في منطق الفلسفة ولا في بيولوجيا وظائف اعضاء واجهزة الجسم. حتى لو وردتنا هذه التقوّلات على مستوى التنظير التجريدي الفلسفي الصرف الذي يقوم على النمط النسقي في المنطق.
الذات الانسانية لا تعرف وجودها الحقيقي الا حين تكون محتواة ضمن عالمين غير منفصلين بينهما وغير منفصلين كليهما مع الذات هما العالم الخارجي والعالم الداخلي. العالم الخارجي هو الموجودات والمواضيع والظواهر الخارجية بضمنها الطبيعة التي تعيها الذات وتدرك تعالقها بها على صعيدي المغايرة الموجودية وصعيد التخارج المعرفي معها على صعيد اكتشاف القوانين العامة الطبيعية الثابتة التي تحكمها وصعيد القوانين العامة التي يخترعها الانسان الذي يجمعها والطبيعة معا.
اما تعالق الذات مع عالم الانسان الداخلي فتحكمه جميع الاحاسيس التي مصدرها عمل وظائف الجسم البايولوجية والغرائزية الفطرية معا. اجهزة الجسم بما تصدره من استشعارات بيولوجية ونفسية تصل الدماغ عبر منظومة العقل الادراكية عن طريق الجهاز العصبي، فتكون ردود الافعال الانعكاسية الارتدادية الارادية وغير الارادية العائدة ثانية للجسم من الدماغ انما هي ايعازات يريد الجسم فيها القيام بوظيفة اشباعها كحاجات تديم الحياة في الجسم مثل حاجة الانسان للاكل او النوم او الالم والحزن والخوف والجماع الجنسي وحاجات الغرائز الفطرية المزروعة داخل جسم الانسان داخليا.
كل ما ذكرناه هو حاجات بيولوجية وحاجات غرائزية فطرية تتداخل فيها النفس مع السلوك ومع الذات في وعيها القصدي الهادف. الذات اشمل إحتوائيا من النفس كجوهرين متلازمين بحياة الانسان في وظيفتهما اشباع جميع الحاجات البيولوجية والغريزية للانسان التي هي اشباعات ما يريده ويرغبه الجسم في نوعين من الاشباع الجسدي الاول حاجات بيولوجية والثانية حاجات غرائزية فطرية بكل ماله صلة بالنفس وليس لما ترغبه وله صلة مباشرة بالذات التي تكون جميع افصاحاتها تجريدية صورية في تعبير اللغة والنفس عنها.. وليس معنى هذا ان اشباع غرائز الجسم الفطرية وحاجاته البيولوجية الحياتية بعيدة عن وعي الذات القصدي في تحققها.
كيف ومتى يمتلك الانسان ذاته؟
ميرلوبونتي حين يطرح إمكانية امتلاك الانسان لذاته التي يرغبها مستقلة استقلالية تامة عن كل رابطة تجمعها مع موجودات العالم الخارجي تخارجيا معرفيا متبادلا ولا اقول علاقة جدلية فجدل الذات مع الواقع اي مع موجودات العالم الخارجي غير متحققة بسبب الذات لا تمتلك خاصية التجانس النوعي مع كافة الموجودات التي تجعلها تدخل بعلاقة جدلية معها.(هذا الموضوع متى يحصل الجدل الديالكتيكي في المادة والتاريخ كتبت فيه اكثر من مقال).
أن تكون الذات جوهرا مستقلا استقلالية تامة عن علاقاتها التي تربطها بكل من العالمين الخارجي والداخلي كما يرغب ميرلوبونتي أن تكون الذات هو تهويم وهراء فلسفي يتجاوز طبيعة الذات انها ليست موضوعا لغيرها بل هي موضوع لحاملها يعيها الفرد فقط. حين تقول ذاتا فانت تقصد ذلك الشيء الملازم لعقل وجسد الانسان حتى الممات ويتجلى في افصاحات كيف يعيش الانسان عالمه الخارجي وعالمه الداخلي بعلاقة ايجابية يحقق فيها امتلائه النفسي والروحاني والمادي.
ذكرنا ونعيد التذكير به أن تعالق الذات بكل من العالم الخارجي والعالم الداخلي يمنحها خاصية عمومية تخرجها عن فردانية إمتلاكها لذاتيتها في وعيها الاشياء بمغايرة كيفية وامتلاكها موضوعاتها التي بغيرها تفقد الذات خاصية ارتباطها بالعالم الخارجي. وهذا لا يتم الا بعد عبور الذات لخاصية انتسابها الانفرادي انها خاصيّة شخصانية يمتلكها العقل وتمتلكه هي بتناوب تخارجي طبيعي معرفي متبادل بينهما. وجود الذات الافصاحي عن نفسها وليس عن ماهيتها مرتبط بالجسد واللغة.
الخطأ الكبير جدا قولنا الذات هي الجوهر المّدخر في عالم الاشياء او عالم الجسد داخليا. بل لكي نخلص من هذا الاحراج الافتعالي الاعمى اين توجد الذات؟ لا يشابه بالتاكيد مقارنته بسؤال اكثر احراجا قولنا اين توجد الروح؟ الذات هي جوهر تجليّات مقولات العقل عن مدركاته ليس في التعبير التجريدي اللغوي بل من حقيقة الذات علميا هي جوهر العقل السليم الطبيعي كيف يعيش الانسان الحياة وعالم الوجود والمجتمع بسلوك نفسي عقلاني متواشج الفعالية.
وحين إعتبر سارتر الذات وعي قصدي ملتزم بمسؤولية عن حريته ضمن موجوديته كفرد يعيش مجتمعا افراده احرار مثله. إنما كان يعّبر أن الذات سلوك فردي يعيش ويتصرف في كيفية فهمه الحياة منفردا كشخص هويته هي ذاته.
رب تساؤل مشروع يردنا كيف اذن نستطيع التفريق بين الذات كهوية انفرادية والماهية الانسانية كجوهر ملازم حياة الانسان كهوية؟ من يمنح الذات هويتها؟
بشديد العبارة المختصرة جدا نقول ان الذات ممارسة سلوكية يومية استهلاكية في تعامل الفرد مع المحيط والطبيعة وموجودات العالم الذي يحيط به. لماذا قلت ان سلوك الذات في تبادل تخارجي معرفي متفاعل مع المجتمع والمحيط هو استهلاكي؟ السبب لان الذات بعلاقاتها مع مدركاتها من الموضوعات والاشياء تسنفد من تلك المدركات اهميتها البعدية المعرفية لها. فحينما تنتهي الذات بافصاحاتها التخارجية مع الموضوع لا يبقى للموضوع اهمية بعدية في عودة الذات له ثانية . بمعنى الذات في وعيها الادراكي الاولي لموضوعها اتخذت الاجراءات العقلية تجاهه بما تنتفي الحاجة العودة له ثانية. من المعلوم البديهي الذي لا يحتاج برهانه ان الذات في وعيها لمدركاتها لا تتموضع في تكويناتها ولو جزئيا. لكن الجديد فلسفيا هو ماجاء على لسان هوسرل اننا في جميع الاشياء التي وصلتنا عبر آلاف السنين انما تحمل مسحة من معرفة قبلية ندركها فيها. هوسرل الاب الروحي للفينامينالوجيا مثالي التفكير الفلسفي وما استشهدنا به يوّضح واحدة من شطحاته الميتافيزيقية.
اما الماهية او الجوهر عند الانسان لا غيره من الكائنات الحيّة وانا بهذا اذهب لتبني وجهة نظر سارتر هي بناء تراكمي تبنيه الخبرة المكتسبة عن وجود الانسان ضمن مجتمع يعيش حريته بمسؤولية اجتماعية. اننا بناء على هذا نستطيع القول الماهية هي شخصية الانسان الانفرادية التي يعبّر عنها الفرد سلوكيا ضمن مجتمع في مواجهته اسباب الحياة السلبية منها والايجابية. اما الذات مقارنة بهذا المعنى السلوكي الذي ذكرناه عن الماهية فهي جوهر العقل في فهمه وتفسيره ومعرفته الحياة ولكل شيء يدركه العقل او يتخيله موضوعا له.
الذات هي وعي قصدي متغيّر تعي نفسها وتعي اهمية ملازمتها لمواضيعها المدركة من قبلها. اما الماهية او الجوهر فهو الثبات الذي تدور في فلكه الصفات الخارجية التي لا تعبّر عنه مباشرة ولكنها تؤثر به تكوينيا. ومقارنة ذلك بالحيوان فهو بلا ماهية والسبب انه لايعي اهمية ان تكون له هوية خاصة خارج القطيعية النوع لذا تكون صفاته الخارجية هي ماهيته الجوهرية.
هل يمكننا تصور الذات بمعزل عما تجد فيه مغايرة موجودية تؤكدها؟
انا اجد في الطرح الذي يرغب استحضار(ذات) واقصد ميرلوبونتي هنا بمعزل عن العالمين الخارجي عالم الموضوعات والمدركات . والعالم الداخلي الذي هو عالم وظائف اجهزة الجسد المكتسبة منها والغريزية هو كمن يلعب باللغة بفائض التهويم الفلسفي التجريدي الذي لا تجد له معنى ولا اهمية. سبق لي قولي أن عبارة اوغسطين الحقيقة جوهر مدّخر في العالم الداخلي للانسان لا تحتاج الوقوف عندها ولا حتى رفضها كما فعل ميرلوبونتي. فهي ولدت ميتة. لسبب مباشر هو ماهي الحقيقة التي قصدها اوغسطين؟ نحن يمكن الاستفادة من صياغة عبارة اوغسطين البالية الركيكة تساؤلات لعل ابرزها برأيي هو ماهي الحقيقة التي قصدها اوغسطين؟ الحقيقة كما هي المتداول بالفلسفة والانشطة المعرفية الابستمولوجية غير المحكومة بتجريبية التطبيق العلمي هي مفهوم فضفاض غير محدود لا يعني شيئا كما في المصطلح المتفق عليه.
الحقيقة غير النوعية المعروفة بها هي خارج المحدودية الادراكية للعقل كموضوع من جهة. وعالم الانسان الداخلي هو عالم اشباع رغائب الجسم البيولوجية منها والغريزية الفطرية داخل الجسم التي تتحكم به الاحاسيس الصادرة عن اجهزة الجسم الداخلية. التي تكون خارج محدودية الوجود الانطولوجي للجسم.
امام هذه الواقائع العلمية اين يقع فهمنا ان الحقيقة استبطانية داخلية من غير معرفتنا أي نوع من حقيقة نقصد؟ وماهي صفاتها؟ وماهي علاقتها بالذات وبجسم الانسان الداخلي على افتراض أن أوغسطين عندما أطلق الحقيقة موجودة في عالم الانسان الداخلي لم يكن يهذي. ونستنتج انه لا الذات ولا الحقيقة ماعدا الاستشعارات الاحساسية التي تبعثها اجهزة الجسم الداخلية عبر منظومة الجهاز العصبي ومنظومة العقل الادراكية لاشباع حاجات الجسم الغريزية الفطرية وحاجات الجسم البيولوجية هي فقط الموضوعات التي يمكننا معرفتها ويمكننا التعامل معها في عالم الانسان الداخلي.حتى العواطف والقيم والمشاعر اللاشعورية ليس فيها حقائق اكثر من ردود الافعال الانعكاسية التي تصدرها مناطق في قشرة الدماغ والفصوص المخيّة. وهذه الردود الدماغية الانعكاسية هي التي تحدد وعي الذات وافصاحات النفس بضمنها السلوك والوعي القصدي الهادف.
ميرلوبونتي بعد أن اتحفنا رفضه مقولة اوغسطين يذهب الى تطرف فلسفي مفاده أن الذات طالما تعرف نفسها في وعي وجودها المتعيّن بالمغايرة والتخارج المعرفي مع موضوعات عالمها الخارجي فلا وجود ولا معنى يبقى أن للذات أو الحقيقة علاقة تربطها بعالم داخلي للانسان غير موجود!! ولنا أن نتصور هذيان ميرلوبونتي بضوء ما اوضحناه في سطور سابقة علمية أهمية وجوب تعالق الذات مع عالم الانسان الداخلي الذي ينكره ميرلوبونتي.
الفينامينالوجيا والنفس
الفينامينالوجيا تلتقي مع علم النفس وعلماء النفس بخاصة السلوكيين منهم يرفضون كل نظرية تغلق الشعور على ذاته لكي تجعل منه حياة باطنية خالصة. (نقلا عن د. زكريا ابراهيم).هذا الاقتباس يلزمنا توضيح ما يلي:
-التفريق بين الذات والشعور على صعيدي البايولوجيا وعلم النفس السلوكي. ليس فقط في إختلاف مرجعية الذات (العقل) ومرجعية الشعور (علم النفس السلوكي). ولو اجرينا معيارية بين المرجعتين فالكفة تشير الى ذهاب الذات ومعها الشعور النفسي نحو مرجعيتهما كلاهما للعقل.
- الشعور في بديهية معرفته ومعرفة وظائفه يصبح من المحال انغلاقه على نفسه. الشعور فضاء نفسي مفتوح كلية على عوالم الانسان وظواهرها الخارجية والداخلية التي تجعل الذات الانسانية تحيش عوالمها الطبيعية وما يستتبعها من تحقيق اشباعات بايولوجية وغريزية يحتاجها الجسم والنفس على السواء.
- الشعور مفهوم غير محدود النهايات فمثلا العاطفة، الضمير، القيم، الاخلاق، العواطف، القلق، الحزن، الالم، جميعها افصاحات ترتبط بالسلوك النفسي للانسان. من المحال انغلاق تلك الافصاحات الشعورية على نفسها. والسلوكيون محقون في رفضهم مقولة الانغلاق النفسي.
- يرفض ميرلوبونتي ان تكون الذات حقييقة تسكن الداخل الانساني وهو طرح نثني على صوابه وصحته العلمية والمنطقية، فالذات مصطلح متعيّن محدود، والحقيقة مفهوم مطلق لانهائي غائم غير محدود. فالتناول اللفظي ان تكون الذات حقيقة داخلية خطأ اوضحناه. هذا اوصل تفكير نيتشة الفلسفي إنكاره التام لما يسمى الوجود.
- الذات بافصاحاتها غير المحدودة تكون جوهرا لانهائيا لكنه يختلف عن الحقيقة كمفهوم ميتافيزيقي لا يمكننا معرفته بتحليلنا مكوناته. والحقيقة بهذا المعنى تختلف عن الوجود. فالوجود وإن كان مفتوح النهايات على مطلق لا نستوعبه في كليتّه إلا أن الوجود بخلاف الحقيقة مفهوم ميتافيزيقي قابل التقسيم في موجوداته. ولو أجرينا مقايسة معيارية بين الوجود والذات لوجدنا الذات عالم من الشعور النفسي السلوكي المتعيّن يرتبط إدراكيا بالعقل في تعالق الذات مع العالمين الداخلي والخارجي للانسان. ويبقى الوجود جوهر سديمي لانهائي لكنه ايضا قابل التقسيم في تنوع محتوياته الموجودية. معنى الوجود هو في معرفتنا لموجوداته التكوينية التي يحتويها.
- اخيرا الذات جوهر مادي – روحاني مركّب متداخل تواشجيا معا. ولا يمكننا فصل هذه الثنائية الذاتية كصفة ومحتوى عن ملازمتها ذات الانسان. ففي الوقت الذي نجد فيه الذات منغمسة في عالم المادة خارجيا، وعالم الاحساسات الجسدية داخليا. الا انها اي الذات تفكر تفكيرا روحانيا ميتافيزيقيا. وتتسم الذات بقدرة الخيال في هيمنتها على الخبرة الذاكراتية في مخزونها الاستذكاري، وهيمنة الذات على المخّيلة في تصنيعها مواضيع الخيال الآنية الحاضرة. الفرق بين الذاكرة كمخزن لخبرات وقائع الحياة والتاريخ وبين ملكة المخيال الذي لا تستثيره احداث الماضي بل تستثيره الاسئلة المتعلقة حاضرا آنيا بمعنى الوجود ومعني وتفسير ظواهره التي يصادفها الانسان بحياته.
***
علي محمد اليوسف