أقلام فكرية
علي محمد اليوسف: من تاريخ المشاعية الجنسانية
1. افلاطون مشاعية الجنس والتملك:
منذ عصور الحضارة اليونانية القديمة نعثر على عبارة افلاطون، في دعوته الى مشاعية النساء والثروة، حتى لا يكون القتال من اجلهما وتنشب الحروب بسببهما.
من الواضح أن النساء والثروة كانت مسألة تحظى بأهتمام الفلاسفة اليونانيين الزاهدين بهما، في محاولتهم وضع قوانين وتعليمات دستورية ملزمة تنظّم حياة المجتمع وتنأى به عن المنازعات والاقتتال خاصة بين كل من أثينا وأسبارطة، كما حدث في حرب طروادة التي خلّدها هوميروس في الالياذة، وتسببت بها امرأة (هيلينا) زوجة ملك اسبارطة التي أحبت (باريس) ابن ملك طروادة وهربت معه وكان ماوقع من حرب وسفك للدماء بسببها.
وفي تقصّينا معرفة صحة وصواب دعوة افلاطون لمشاعية الجنس والثروة في عصره، نجد انه كان من مميزات حضارة اليونان تقبّل مثل هذه الدعوة التي نعتبرها نحن الآن من مخّلفات وأرث المجتمعات البدائية المشاعية الجنسية المتخلفة. في أن يكون جميع النساء وبلا استثناء زوجات مشتركات للرجال بحيث لا يكون لكل واحد منهم زوجة واحدة خاصة به، ولا لكل أمرأة زوجا واحدا خاصا بها، ويكون الاطفال مشتركين بالنسب لا يعرف الولد اباه ولا يعرف الاب أبنه لذا كان الى مرحلة متقدمة من الحضارة الانسانية تؤصل الانساب بين القبائل البربرية البدائية على أمومة المرأة وانتساب المولود للأم التي كانت رمز الخصب وربيع الحياة لا للأب غير المعروف.
وهذا ماجرى لألمانيا التي خسرت الحرب العالية الثانية واعقبه اغتصاب جيوش الحلفاء ومنهم الروس الالاف من النساء الاسرى اللواتي حملن وانجبن أطفال تم تسجيلهم باسم الام فقط المجهول الاب.
وبالعودة الى عصور البدائية الحجرية، وبالتحديد الى عصر الصيد والالتقاط، الذي يسبق عصر بداية صنع الانسان للحضارة في اكتشافه الزراعة والري وتخزين الحبوب وتدجين الحيوانات 7500 قبل الميلاد.نجد ان تملك النساء وتملّك الثروة المشاعيين لم يكونا بنفس الاهمية عند التجمعات البشرية البدائية المشاعية. ولم يكونا متكافئين كسبب مباشر باحتمال نشوب النزاعات بين الرجال والاقتتال على الاستئثار بهما.
وانهما بالنتيجة لم تكونا عاملين في هدرهما اخلاقيات تلك التجمّعات المتنقّلة ونشوب الحروب والنزاعات بين تلك التجمعات البشرية، هذا في حال جاز افتراضنا أن انسان تلك المرحلة (الرجل) كان متواضعا متوافقا مع غيره من الرجال على عرف اخلاقي في أبسط معانيه واشكاله أن جاز التعبير، عرف مشاعي ينّظّم امتلاك الرجال للنساء بلا عدد محدد، علما أن الانسان المشاعي الوحشي البدائي لم يكن يعرف التواصل باللغة الشفاهية الكلام، ولا يعرف الكتابة التي هي من أختراع السومريون في بلاد ما يسمى ميزابوتوميا (ما بين النهرين 350 ق. م)، .
بعد آلآف السنين من مغادرة عصر الصيد المشاعي والزراعي القبائلي، كما أن المرجّح ايضا عدم معرفة الانسان البدائي لأدنى قيمة اخلاقية ابتدعها الانسان في مراحل تاريخية حضارية لا قبل اختراع الانسان التدوين ولا بعده لا حقا نشأت مع ظهور الاديان الوثنية وبعدها التوحيدية، ولم يكن هناك ماهو اخلاقي في الحياة البدائية الأولى على الأقل في ما نعرفه بالمجمل العام.
أذن المرأة والتملّك المشاعي لم يكونا عاملي استثارة للمنازعات والاقتتال بين الرجال. وأن الدراسات الانثروبولوجية(علم دراسة الانسان) التي تعتمد التنقيبات الاركيولوجية الاثرية في اطلاق فرضياتها التخمينية، تذهب أن الانسان البدائي لم يكن يعرف معنى اقتران الرجل بأمراة واحدة معينة لا غيرها، ولا المرأة تعرف معنى اقترانها برجل واحد دون غيره ايضا. لا في صيغة تملّك الرجل ولا في صيغة اتفاق تعاقدي بين الرجال والنساء عموما. وأكثر ترجيحا أن المرأة والرجل كلاهما لم يكونا مدركين أن الجماع الجنسي هو وسيلة التكاثر وحفظ النوع الانساني من الانقراض الا في مراحل تاريخية متقدمة من ممارسة الجنس والانجاب بشكل عفوي ناتج عن ممارسة الجنس لاشباع اللذة والمتعة.
اما الثروة فانها تشّكل مرتبة ثانوية بالأهمية على اعتبار أنّها ملكية متواضعة جدا حتى في مقاييس تلك الازمنة، وليست ملكية استغلالية مجحفة تستحق التنازع عليها ودخول التصفية الجسدية بين المتنازعين.
فهي ملكية بسيطة لا تتعدى الطعام وادوات الصيد والكهف والجلود وما تجود به الطبيعة . فهي لا تشكل عامل احتراب وتصفية بين الرجال، والثروة الطبيعية لبساطتها، وصعوبة التملك الانفرادي الاناني لها لتكون عامل فتنة قتالية الا في مراحل متقدمة جدا على مجاوزة العصور الحجرية الكهفية البدائية، حين اصبح التملّك قيمة استغلالية في استملاك الاراضي الزراعية الشاسعة وامتلاك قطعان الحيوانات الداجنة ووسائل الانتاج الاخرى والاستئثار بها دون الاخرين.
ويمكن القول أن المشاعية الجنسية والتملك السلعي كانتا سببا مهما في بقاء الجنس البشري الذي كان يتهدده الانقراض من قبل الوحوش الكاسرة المفترسة من جهة، وقسوة الطبيعة التي لا ترحم من جهة اخرى في ندرة الغذاء، كانت المرأة ملكا مشاعا لكل الرجال في الحفاظ على الانجاب والتكاثر وتوّحيد الرجال ضد الأخطارالمحدقة بالانسان كنوع. لقد كان الانسان البدائي يحرص على عدم فقدان أشخاص من نوعه في ظروف معيشية صعبة كان فيها الانسان البدائي يقتات الجيف والحيوانات النافقة في ندرة وقلة الحيوانات التي كان يصطادها بصعوبة، كما نشأت في مرحلة لاحقة قبائل أكلة لحوم البشر. فرجل تلك العصور لم يكن يعرف أهمية أن يمتلك هو دون غيره لافي الجنس ولا في التملّك الطبيعي للاشياء، وفي مراحل لاحقة كان يجري تبادل النساء بين القبائل والتجمعات كسلعة تداولية اما لفض النزاعات او لتدعيم اواصر التحالفات ضد اخطار الاخرين..ثم من العسير جدا اعتبار الانسان البدائي مجردا من عاطفة الحب والاناسة الاجتماعية مع غيره من جنسه البشر، فهو يأنس بتلك العلاقة الاجتماعية مع غيره من نوعه ويتأنسن بالطبيعة بهذه الرابطة ككائن نوعي اجتماعي بالفطرة. وفي غير ذلك محال ان لا يكون انقراض الانسان حاله حال انقراض حيوان الماموث والديناصورات قد حصل.
اذا تقدمنا مراحل طويلة من عمر وعصور البشرية البدائية، وبعد معرفة الانسان للعائلة والقبيلة، ووضعنا رحالنا في عصور ماقبل التاريخ عند السومريين والاكديين والبابليين والاشوريين.نجد ان مشاعية الجنس قد اخذت صيغة البغي والدعارة المنظّمة لدى السومريين ابتداءا، فقد كانت المرأة الراهبة في المعبد والمرأة في المجتمع الوثني كلتاهما يمارسان الدعارة كتعبير اخلاقي وطقسي مقدّس من قبل الكهنة ورعايتهم له، وتعتبر تلك الرعاية الوثنية المقدسة للدعارة بمثابة ميثاق ديني اخلاقي متواضع عليه ووجوب ممارسته مجتمعيا.وقدسيته تنسحب ايضا على دلالة الخصب الطبيعي في تجدد الحياة والنماء المستمر المبارك حسب معتقداتهم.وأن أول بيت للدعارة في التاريخ البشري كان من ابتداع السومريين واطلقوا عليه اسم (ميثقديم). methikdeam.
أذن كان الكهنة الوثنيون ينّظّمون تلك الاباحية الجنسية بالقداسة التي أبتدعوها ولم تكن في معايير عصرهم تشي بأي نوع من التسفيل الاخلاقي والعمل المشين اجتماعيا، خاصة في تزكيتهم تلك الدعارة كهنوتيا وثنيا، اذ وصل الحد الى الألهة عشتار البغي أنها كانت تمارس الجنس مع عبد تختاره كل مرة لتروي ظمأها الجنسي بعد اذن الملك زوجها في قضاء حاجتها الجنسية مع العبد الذي يصارلاحقا الى حرقه حيّا في طقس وثني، وانتقام سادي غامض.كما أن راهبات المعبد كنّ يمارسن البغاء مع الزوار الاجانب ايصا لقاء مبالغ من المال.
2. المشاعية في المفهوم العصري:
في المجتمعات الرأسمالية والعالم قاطبة تقلصّت الى أبعد الحدود ليس مشاعية الثروة والمال فحسب امام مشاعية النساء، بل واصبح اليوم ندرة الغذاء بسبب الجفاف والتصحر على الارض وتغير المناخ انتشار المجاعات والاوبئة التي لم تعد تناسب الزيادات الانجابية بالسكان. وقد اسيء كثيرا تفسير تنبؤ توماس مالثوس مالثوس لهذه الكارثة التي يشهدها عالمنا اليوم في مقاله الذي نشره عن الواقع السكاني الجزائري عام 1789 عام اندلاع الثورة الفرنسية..عندما اعلن ان التناسب العكسي يحكم علاقة ازدياد السكان مع قلة موارد الطبيعة في توفير الغذاء.
وباتت اليوم التطلعات الاشتراكية الاقتصادية من (يوتوبيات) عصور الانقراض التي عفا عليها الزمن وتجاوزها التاريخ، ليحّل محلها في الاولوية الاباحية الجنسية وانحلال الاسرة وانحدار الاخلاقيات الجنسية الى مراتب حيوانية بهيمية. علما أنه لا توجد مشاعية جنسية حيوانية الا في فترة محدودة هي موسم التكاثر عند مختلف انواع الحيوانات، وممارسة الحيوان للجنس عنده ليس بافضل منها لذّته بالأكل فقط، بعكس الانسان الذي يجد متعة الجنس أفضل من متعته بالاكل.
لذا تعتبر مشاعية الجنس عند الحيوان حتى وأن لم يدرك ذلك أعلى مرتبة في نظامها الطبيعي الغريزي بالحفاظ على نوعه من أباحية الجنس الآدمية المبتدعة في المجتمعات الغربية الرأسمالية اليوم، بأسم ممارسة حرية الجنس كحق مكتسب من حقوق الانسان في الاباحية وفي ازالة حواجز التحريم الجنسي نهائيا في زنا المحارم والديوثية واللواط وغيرها من انواع الجنس الشاذ.
السؤال الذي تتناسل عنه عشرات الاجوبة الجاهزة، هو لماذا انحّلّت الاسرة في المجتمعات الغربية ولم يحصل ذلك مع الشعوب الشرقية؟ هل بسبب حصانة الدين وتحريماته وحده ام بسبب مؤثرات اخرى؟
هل تتحمل المرأة مسؤولية أنحلال أخلاقيات الجنس في الغرب، وما دور الرجل بذلك؟ هل لعبت المرأة دورا تخريبيا سياسيا واقتصاديا، شأنها شأن الثروة المتراكمة في جيوب حفنة من الاغنياء المليارديرية والمليونيرية؟ وفي مؤسسات احتكارية عملاقة. هل المرأة والثروة متلازمتان كسبب انحلال الاسرة اجتماعيا عليها، وصولا الى تدمير اخلاقيات المجتمع المتواضع عليها أسريا؟
ولماذا نقصر اخلاقيات الدين في قيمومته الوصاية على اخلاقيات المجتمع في تماسكه الاسري؟ وكيف يمكننا الاحتكام في تقييمنا اخلاقيات المجتمع مع الاقرار بادانة ان النساء والثروة هما سببا التدمير الاسري والاخلاقي الاجتماعي الى يومنا هذا بتفاوت نسبي بين شعوب الارض؟.
واذا سحبنا النقد الاخلاقي الينا، ألم يكن في مجتمعاتنا قبل وبعد الاسلام خروقات جنسية فاضحة ودامغة تبدأ بممارسة البغاء العلني، تلاها الامير والسلطان والقائد الذي يملك كذا عدد من المحظيات والجواري والغلمان وما ملكت ايمانه ممن لا ينالون حظوة الجماع والنكاح معه مرة واحدة كل عام؟ ما عدا الزوجات الاربعة اللواتي يجري عليهن تدويرحكم الطلاق للهروب من فضيحة المخالفة الشرعية الاسلامية، في سحب الدين غطاءا للمستور في ظهور الالتزام بتعاليم الشرع والدين أن الزوجات الاربع كاف لا اكثر.أليس في هذا مشاعية جنسية أنثوية في مضاجعة كذا عدد من النساء لرجل واحد يتشدق بالذكورية المالكة والمتسلطة على الانثى وهوعبد شهوته التي يعجز من اشباعها بايولوجيا؟
3. الاباحية الجنسية بين النظامين الراسمالي والاشتراكي:
هل كان من المفروض ان النظام الاشتراكي الشيوعي مقدّرا له بعد أن ينجز بنجاح توزيع الثروة توزيعا اشتراكيا منصفا عادلا، أن يرافقه انحدار مغاير في الوصول الى نوع من الاباحية الجنسية تقوّض الاسرة واخلاقيات المجتمع كما حصل في مجتمعات النظام الرأسمالي حتى من غير توزيع عادل اشتراكي للثروة.؟ بل فرضية انعدام التكافؤ التقريبي بين امتلاك الثروة الراسمالية وطبقة الفقراء وشرائح المعدمين هي سبب انحلال الاسرة في الغرب خاصة بعد تحييد عامل الدين.
بما يتعلق بهذا التساؤل قبل الدخول في تفاصيل، أشير الى معلومة، انه على خلاف المتداول عن مشاعية الجنس في النظام الاشتراكي الشيوعي، أن ماركس أنكر المشاعية الجنسية وأستهجنها من منطلق تقويضها البناء الاسري وتماسك العائلة والمجتمع، وبذلك وضع حدا فاصلا بين مشاعية الثروة التي يسعى النظام الشيوعي في مراحل متطورة من تطبيق النظام الشيوعي ضرورة الوصول لها وبلوغها كحتمية تاريخية مهمة، وبين مشاعية الجنس التي تستهدف نظام الاسرة بمقتل يتوجب الاحتراز منه وعدم الانغماس به.وليس مؤكدا عندي ايضا ان كان فريدريك انجلز قد ذهب في مؤلفه الشهير(اصل العائلة) نفس المنحى ام لا؟ حول مشاعية الثروة ومشاعية الجنس.
ولتوضيح هذه المسألة الهامة على قدر المامي المتواضع بادبيات الفكر الماركسي اجازف بتحليلي واقول ان النظام الشيوعي بحسب اهتدائه بالنظرية الماركسية ومنهج المادية التاريخية، أعتبر الشيوعية آخر مراحل تطورانحلال الامبريالية الراسمالية يعقب أفولها وانهيارها الحتمي، وبعدها سيمضي النظام الشيوعي الى مراحل متطورة من تعزيز الاشتراكية وتطويرها قبل وصولها الى حتمية تطورية تاريخية معقّدة جدا تشي بانحلال الدولة، ليتولى الشعب أدارة شؤونه بنفسه وربما بمساعدة مؤسسات بديلة لا تمثل الدولة بمفهومها الحديث في تنظيم الحياة.
لكن سوف لن يبقى هيمنة لسلطة ومؤسسات دولة فاقدة لمبرر وجودها اصلا في تمثيلها مصالح طبقية هي طبقة البروليتاريا، وقتها سينعدم اي تملّك فردي لتحل محله مشاعية مالية وامتلاك شعبي مباشر للثروة. لكن الاهم من كل ذلك ان هذه المراحل النظرية الافتراضية لن تشهدها أجيال عمرية محصورة بمئة سنة من الحياة على أبعد التقديرات المستقبلية في توّقع أطالة معدل عمر الانسان ليشهد مراحل من الحياة تحتاج كذا الف عام..في تطور النظام الشيوعي ووصوله مراتب عليا في التطور الذي سيشهد انحلال الدولة. وهو ما لايتاح لاحد اليوم الجزم بان هذه الافتراضات النظرية التاريخية ستحصل ام لا؟ لكن مع تفاقم الانحدار نحو شحّة الغذاء سيصبح من الضرورة الملزمة اللجوء الى انواع من الاشتراكية الديمقراطية المحسنّة.
التفكيك والانحلال الاسري من قبل الغرب الرأسمالي ليس في مشاعية الجنس وحده، ولكن في مشاعية تردي الاوضاع المعاشية التي شهدها النظام الاشتراكي قبل انهيار مركزيته في تفكك الاتحاد السوفييتي القديم بداية التسعينيات.الذي كان بالضرورة يترتب عليه انهيار المنظومة الاخلاقية المجتمعية الاسرية وهو مالم يحصل اقتصاديا تمهيدا له..
في المقابل بقي النظام الرأسمالي في متاجرته بالاباحية الجنسية كواحدة من حقوق الانسان التي يغيظ بها النظم الاشتراكية، وتكدّس المال الاحتكاري الاستغلالي بطبقة ثرية متخمة ومجموع يعيش ضياعه بالحياة المستقرة في الاباحية الجنسية وانحلال النظام الاسري في تفشي الاستهلاك الجنسي غير المقّيد بأية موانع او محرمات تضفي عليه نوع من الانسانوية الاخلاقية التي اعتادتها العصور البشرية وفتك تعاطي المخدرات بانواعها.
وأجد ان هناك استدراك لا بد من التلميح له حول تجربة النظام الاشتراكي مع اخلاقيات الجنس والتماسك الاسري، بان المجتمعات الصينية والنظام الذي يعيل ويقود اكثر من مليار ونصف المليار في حياة انسانية يشبع فيها الفرد والمجتمع جميع حاجاته الاساسية في حياة كريمة في التامين الغذائي والصحي والتعليم ومستلزمات الحياة الاخرى، من ضمنها توفير الكرامة الاخلاقية الجنسية في منحيين، الاول منحى عدم التفريط بالبناء الاسري ماديا وجنسيا، والمنحى الثاني عدم هدر اخلاقيات المجتمع بنوع من الاسفاف الجنسي المبتذل التي تتمشدق به الراسمالية المتغوّلة اقتصاديا والمنخورة اخلاقيا وجنسيا في ما لابراء منه الا في انحلال الراسمالية ومغادرتها مسرح التاريخ المعاصر.لكن نظام مثل الصين يبيح الدعارة الجنسية ويشرف على ضبطها الطبي معتبرا الدعارة استثمارا ماليا كبقية مؤسسات الدولة الاستثمارية الاخرى.
4. العاملان الاقتصادي والديني في البناء الاسري:
أصبح من المتعذر جواز ربط الاباحية الجنسية التي يشهدها العالم على مستوى الفرد ومستوى الجماعة من غير ما ربط ذلك بفلسفة النظام السياسي الكلّية.وأن الربط الاباحي الجنسي بحرية الفرد الشخصية وحقوق الانسان انما هو لعبة استغفالية يعمد لها النظام الرأسمالي التستّر على نهجه الاستغلالي اللاانساني المقيت المدان.
النظامان الاشتراكي والرأسمالي يفترقان في تفسيرهما المختلف حول انحلال الاسرة وتدهور اخلاقيات المجتمع في شيوع الاباحية الجنسية، وأهمية ربطهما بفلسفة النظامين كلا على حدة، فالاباحية التي يصورها الغرب واحدة من الحريات الشخصية وحقوق الانسان لا يلغي الطابع الاستلابي المقيت للمجتمع الغربي اقتصاديا وسياسيا واخلاقيا.وهذا لا يلغي تأشير حقيقة البناء الاسري في المجتمعات الاشتراكية والتمسك بالاخلاقيات العامة، وكانه قد أعدم أمامه فرص الحياة في حقوق الانسان وممارسة الحرية الشخصية المتداخلة مع الحرية العامة المكفولة في النظام الاشتراكي.
من بين عشرات الاجوبة الجاهزة في معالجة اشكالية تفكك الاسرة وتفشّي الاباحية الجنسية عالميا يبرز العامل الديني المنقذ من الضلال على حد تعبير الغزالي، على انه حامي الاخلاق في الماضي وسندها في حاضرها وأمانها في مستقبلها وفي هذا تعميم غير منصف، بدليل انه يلغي اليوم التعددية الدينية وفلسفتها الدينية المميزة المتفردة، ويلغي ايضا رابطة ووصاية ايديولوجيا النظم السياسية على الدين وتبعيته لها، فنظرة المسيحية للاباحية الجنسية هي غيرها نظرة الاسلام او البوذية وهكذا في اديان لاحصر لها تقدر باكثر من اربعة الاف دين ومذهب وطائفة. كما والاهم التغيّر التاريخي الذي ساد عبر العصور في وصوله لنا كما نعهده ونعيشه اليوم.
لا اعرف بالضبط اين قرأت معلومة تفيد ان من مجموع سبعة مليارات نسمة تستوطن الارض عام 2017 من بينهم ست مليارات انسان يؤمنون بالدين ووجود الخالق الله، ولكنهم لايؤمنون باخلاقيات الدين تقود الحياة، وأن المليار الباقي واعتقد انا اكثرمن ملياري انسان يتوزعون بين ملحد وغير مؤمن لا يؤمنون أيضا باخلاقيات الدين تقود الحياة، بخاصة في مجال أباحة الجنس وتفكك الاسرة.
وهنا يبرز أمامنا النفاق البشري أزاء مهمة الدين في اصلاح أخلاقيات المجتمع والحفاظ على مستقبلها.عندما نجد الخرق الجنسي- الديني يأخذ صفة التطرف في استهدافه معاقل المقدسات الدينية في تحدّ سافر لسلطة ايديولوجيا الدين.ومثاله التطرف الجنسي الشاذ الذي لا يتوقف عند الزنا بالمحارم والديوثية، يعطينا مؤشرا واضحا انه لا العامل الاقتصادي وراء المشكلة ولا رغبة الدين معالجتها، فهي حرية جنسية وحق من حقوق الانسان الذي يلجم الجميع ومؤمن قانونا كما تذهب له المجتمعات الغربية.
تسليع الجنس؟:
تسليع جسد المرأة وارتهانه بالمتعة واللذة لا يحيلنا الى سبب معيشي أو اقتصادي، يتخفّى وراءه الدافع الغريزي غير المعلن في الرغبة الشديدة تكسير المتواضعات الاخلاقية التي كانت سائدة بصرف النظر عن كونها مستمدة من خلفية دينية او مستمدة من أعراف مجتمعية سائدة، هذا ما تشهده المجتمعات الغربية.
واذا أجرينا مقارنة بسيطة بين دخل الاسرة في مجتمعاتنا الشرقية وتحديدا العربية الاسلامية، نجدها اوطأ كثيرا عنها في معظم بلدان العالم –باستثناء دول الخليج العربية – ونجد المفارقة في تسليع الجنس غربيا لا يقوم على دعامة دخل الفرد او الاسرة والذي كثيرا مايأخذ مقوماته من اشباع حاجات الانسان الضرورية المؤمنة للجميع تقريبا لكن بمستويات متفاوتة، مع ذلك نجد الممارسات الاختراقية الجنسية المتطرفة بشذوذها واستباحة كل الاخلاقيات الطبيعية ذات المصدر الديني او المجتمعي على السواء وعبور جميع حواجز المنع والمحرمات الجنسية هي سيدة الجنس.وهنا ينتفي ان يكون لمستوى دخل الاسرة اي دور في الموضوع في تفشّي الاباحية الجنسية في الغرب في مقابل حقيقة رغبة وغريزة تحطيم المرتكزات الاخلاقية السائدة.اما في مجتمعاتنا الشرقية العربية الاسلامية يكون انحدار كسر المحظورات الاخلاقية في ممارسة الدعارة والبغاء مبعثه في الغالب العوز المعيشي والحاجة لتوفير مستلزمات الحياة الصعبة، لكنه يبقى محصورا في نطاق ضيّق اجتماعيا بعيدا عن التأثير المباشر العام الذي يجعل من السقوط في الانحراف الجنسي بديلا لأخلاق المجتمع المتعارف على حمايتها بشكلها الطبيعي العام .وهي بهذا تكون مختلفة جدا عن الاباحية الجنسية المتداولة اجتماعيا بعيداعن مؤثرات واسباب المعيشة في الغرب، وتكتسب مشروعيتها الزائفة في التمرير على انها حق لحرية الجنس المكفولة كحق من حقوق الانسان فيما يجسده الواقع الغربي ان الاباحية الجنسية هي الاخلاق الجنسية ان لم تكن المرتكز الوحيد لها على صعيد الحياة الترقيهية.
على عكس ما نجده في مجتمعاتنا الشرقية ان الجنس مرتكز المحافظة على الاخلاقيات المجتمعية الطبيعية في بقاء الاسرة، وان العوز والحاجة رغم اهميتها في الحياة الصعبة، نجد ان الهاجس الذي ينتظم السلوك العام هو الحفاظ على تماسك الاسرة من الانحلال الذي هو عماد بقاء المجتمع كيان موحد غير ممزّق تسوده اخلاقيات الطبيعة السوية في الزواج والانجاب الاسري.
***
علي محمد اليوسف