أقلام ثقافية

لمى ابوالنجا: خارج نطاق الحب

لطالما كان الحب والألم ثنائيًا ملازمًا لي، كأن أحدهما لا يكتمل إلا بحضور الآخر، أو كأنهما خُلقا من الجوهر ذاته ثم فُصلا قسرًا في حكايات البشر.

ولأن معضلتي الوجودية وُلدت معي—ذلك السؤال الأزلي عن ماهية الأشياء، ماهية السعادة، ماهية اللحظة—كنت أفسد المتعة قبل أن تكتمل.

كنت، كلما اقتربت من لحظة صفاء، أمدّ يدي إلى داخلها لأفككها، أفتش عن سببها، عن آليتها، عن سرّها، حتى تنهار بين أصابعي.

أشبه بمن يشتري سيارة جديدة، ومن شدة فضوله وانبهاره بتصميمها، يبدأ بتفكيكها قطعةً قطعة، لا بدافع التخريب بل بدافع الفهم، ثم يقف أخيرًا أمام هيكلٍ معطوب، مذهولًا من الخراب الذي صنعه بيديه، متسائلًا:

هل كان ينبغي عليّ أن أفكك شيئًا لم أتعلم كيف أعيده كما كان؟

ولماذا استسلمت لتلك الرغبة الجامحة في التفاصيل، بدل أن أستمتع بما كان بين يدي حيًا، كاملًا، وصامتًا؟

كثيرًا ما استوقفني سؤال واحد بإلحاحٍ لا يهدأ:

هل يمكن للحب أن يوجد دون ألم؟

ولماذا ننجذب، بوعيٍ أو بدونه، إلى ما يؤلمنا؟

ولماذا نعيد التجربة ذاتها، بالطريقة ذاتها، ونحن نعرف مسبقًا أي جدار سنصطدم به، وأين سننزف؟

تعلقت هذه الأسئلة في ذهني بلا إجابة مقنعة، رغم قدرتي الهائلة على التحليل، ورغم مهارتي في إغراق نفسي—والآخرين—في فوضى فكرية، حتى قرأت لروبرت غرين  Robert Greene في كتابه "فن الإغواء" The Art of Seduction قوله إن الحب والألم مرتبطان ارتباطًا وثيقًا؛

وأن الحب لا يحدث إلا عبر شقٍّ ما، يتسلل منه الألم أولًا.

نحن، في العمق، لا نبحث عن الحب بقدر ما نبحث عمّن يهدئ ألمًا قديمًا يقيم في اللاوعي، نقصًا غامضًا شعرنا باكتماله عند الآخر، رغبات غير معلنة وجدنا لها صدى، أو حقائق مرعبة عن أنفسنا احتجنا لمن ينقذنا من رؤيتها وحدنا.

لهذا تقول الأسطورة الإغريقية إن إله الحب «كيوبيد» يطلق سهمه، فيصيب القلب بالألم أولًا، ومن خلال هذا الشق—هذا الوجع—يتسلل الحب.

وكلما اتسع الجرح، اتسعت مساحة العشق.

أعتقد أن كيوبيد زارني في إحدى الليالي المظلمة،

أطلق سهمًا واحدًا…

لكنه لم يصب قلبي.

ثم، وكأنه استاء من خطئه، أدار ظهره لي وهجرني للأبد،

وتركني معلقة في فضاءٍ معتم،

خارج نطاق الحب،

بقلبٍ لا يلتقط الإشارات،

ولا يستجيب للنداء.

***

لمى ابوالنجا - كاتبة وأديبة من السعودية

 

في المثقف اليوم