أقلام ثقافية
حسين صقور: موفق مخول ما بين شطرين

يتراءى لي ذاك الخيط التصاعدي الذي يربط مراحل تجربة الفنان موفق مخول وفق تسلسل منطقي بدءاً من مواضيعه الاجتماعية وشخوصه المحتشدة المخلصة والملخصة لظلال الشكل الواقعي، والتي تعكس موائد فرح وطقوس احتفالية إلى لمساته الأكثر تلقائية وعفوية وشفافية والتي تعكس بانوراما لونية بحس تعبيري وتجريدي.
وبالعودة لتلك اللوحات البانورامية والتشاركية مع طلابه على جدران دمشق نجد أنها (رغم ارتباطها بمفهوم تطبيقي) شكلت التصورات الأولية لمواضيعه الموسومة بالتكثيف والتكرار، كما أغنت ذائقته الفنية و أكسبته خبرة مكنته من السيطرة على المساحات الكبيرة بنَفَس المصمم الإداري، ومكنته أيضاً من اكتشاف واستكشاف إمكانات بعض الخامات المستخدمة والطاقة المستترة خلفها.
تبدو أعمال مخول الأولى حائرةً ما بين شطرين إحداهما يخرج بخجل من آتون أعماله التطبيقية والجدارية، والآخر ينحو بثقة لاتجاه مرحلي أكثر نضجاً وفنية، فهو يؤكد على ذاك الحضور الإنساني والروحاني من خلال تلك الهالة المضيئة التي يحيط بها وجوه شخوصه كما تعكس أعماله في تلك المرحلة إيقاعاً أكثر رتابة من حيث كونها لا تستريح بعيداً عن ذاك الزخم المتواصل لتلك الظلال المحتفية بطقوسها حتى تكاد تسقط في فخ الملل والرتابة المرتبطة بمساعيه لإشغال سطوحه بأشكال متشابهة كغاية وهدف بحد ذاته.
وهو يستدرك تجاربه الأولى عبر تلك النقلة النوعية اللاحقة التي عكست مدى تفاعله مع المحيط ومع الموضوع المعالج والحدث حين أغنى مساحاته بلمسات لونية راقصة وتنويعات خطية أكثر تلقائيةً و تناغماً بالدرجات، وأكثر غنىً بالقيم اللونية لتعكس عبر ذاك الزخم مشاعر مرهفة لباحث عن الربيع في ثنايا ذاته الموجوعة وليؤكد أيضاً على قيمة ذاك الخواء في تجاربه الأولى مبرراً ضرورتها وحضورها كما سنابل عطشى.. كما بذور تنتظر المطر.. كما سكون يسبق العاصفة .. كما إيماءة عشق خائفة .. ليتبلور ذاك التطور الحلزوني المتصاعد في تجاربه الجديدة، ولنتوخى رتابة لاحقة لا بد منها في كل مرة ليتمكن من الخروج من آتونها، وهي لن تتمكن إلا حين تسيطر وتفعل فعلها في ذاته المسكونة والمشحونة برغبات التمرد والتغيير لتتحول إلى سكونٍ آخر سابقٍ لعاصفةٍ جديدةٍ لاحقة.. ونحن لا نملك حيال كل ما هو لاحق سوى التخمين وسأسمح لنفسي باستباق تصوراته وفق هذا الاحتمال فقد يستريح اللون تدريجياً من هلوسات رقصه في الخلفية عبر مساحات أكثر وحشية أو حيادية وألوان مشكلة من خليط لمساته الربيعية، وقد يلخص ذاك الزخم اللوني بلمسة فرشاة أو رشقة لون تختزن في قلبها كل الربيع وتختصر عند أطرافها شكلاً آخر بديعاً بحيث يخدم تكويناته لتصير أكثر تنوعاً في مجمل أعماله... وفي مجمل أعماله أقول سيواصل مخول رحلته في المكان وحيث كان إلى أن يصاب بالتخمة والإشباع ، حينها سيلح عليه جنون المبدع الرافض للتكرار لا ليعيد بل لينبثق كالشمس من قلب عمله السابق.. إنما عبر تصورات جديدة وشكل جديد.
الفينيق حسين صقور