أقلام ثقافية
مها سعد فاضل: قيامة قلم
منذُ فترةٍ طويلة، وقلمي في عالمٍ آخر غير العالم الذي كنتُ أراه فيه؛ قلمٌ مُلقى جثمانًا، وبيضُ الصحائفِ من حولِهِ أكفانٌ. روحُه في برزخِ فكري حائمة، والذي ينتظرُ المبعَث هو تلك النفسُ البعيدة المدفونة تحت أنفسٍ فيني لا تُحصى..
أنتظرُ مُناديًا يُنادي من مكانٍ قريب، لعلَّ النداء يأتي من القلبِ بصوتِ الضمير، لعلَّ الله يُزَلزِلُ النفسَ فتُخْرِجُ أثقالَ الروحِ المكنونة. لعليّ أهرعُ وأخرج من أجداثِ اللاوعي التي دفَنَت مطلقَ وعيي، لعليّ أُحْشَرُ إلى نورِ الحقِ والحقيقة..
لعلَّ الله يجمع شتاتي في يومٍ يُكْتَبُ لقلمي أن يحيا مُخَلَّدًا، فيُبْعَثَ القلمُ من مرقدِه إلى جنةٍ أُزْلِفَتْ له من نقطةِ أصلِ خلقي التي لا يعلمها سوى الله..
وأما الجحيمُ المُسَعَّرَةُ في كفِّي من أثرِ مُجافاتها لذلك القلم، فقد انطفأتْ إن عاد القلمُ حيًا، وكانت أرضًا أورثها الله لي من بعد غُربتي واستضعافي فيني أنا، تلك قبضةُ الطين وقطعةُ الأرضِ الصغيرة..
لعلّي انتظر حدَوث كل ذلك، بينما هو قد حدَث بالفعل منذُ أن بدأتُ أكتبُ أولى كلماتي هذه. تحقَّقَ الأمرُ في وقتٍ لحظيٍّ من الماضي البعيد، وقامت قيامةُ القلم وعاد حيًا من أول كلمة كتبتها في قولي هذا، ولكني لم أدرك الأمر، لإن مسألة الوعي في عمق النفس المجردة حيث اللامكان واللازمان لا يمكن فهمه وترجمته الى العالم الزمكاني لذا يأخذ الوعي والإدراك رحلة طويلة داخل النفس على الرغم من ان الحقائق كامنة في النفس منذ الأزل، كما هو حال وعيي المرهون بقيامة القلم، حيث يُظهِر النص في بدايته حالي ككاتبة مجافية للكتابة منذ أمدٍ وهي تشكو حال انقطاع تدوينها ثم ينتهي بها المطاف الى حال فيلسوفة تبحث في المجرد المطلق حتى من الشيئية وصولا الى المعنوية.. لتتوصل بعدها الى تساؤل:
هل حقًا وعي الكاتب وإبداعه مرهون بقيامة القلم؟ أم إن القلم مرهون بقيامة الوعي لديه؟
الحقيقة إن كل ما يكتبه القلم كلمات مشفرة في الوعي والوعي الخَفي (المسمى باللاوعي) وكذلك الوعي المطلق وهي طبقة بعيدة جدًا يصعب الوصول لها وربما مُحال، ولا يمكن أن يتم فك التشفير للمعاني الموجودة في طبقات الوعي الا بتأثير الزمان والمكان على وعي الكاتب فتظهر معاني النفس الإنسانية المشفرة بشكل نص صريح، هذا الذي يجعل القلم يموت لفترة طويلة منتظرًا مرور الزمن على الوعي الحي، ليبقى القلم بعد قيامته يستمد حياته من حياة ذلك الوعي الخالد.
***
بقلم: مها سعد فاضل






