أقلام ثقافية

سُوف عبيد: في الأدب الشّعبي التّونسي

ماتزال جامعاتنا التونسية بمختلف كليات آدابها لا ذكر فيها للأدب الشعبي التونسي ضمن شهادة العربية والعجب أنها تولي الاهتمام والتمحيص والتدقيق في بيت من الشعر قاله أحد الأعراب في الربع الخالي أو أحد الإفرنج في حي من أحياء باريس ولا تهتم بوجدان الشعب الذي أنشأ تلك الجامعات والكليات بفضل تضحياته ونضالاته وبطولاته جيلا تلو جيل تلك التي نجد صداها في أغانيه وأمثاله وحكاياته وألغازه ونوادره وغيرها وتجري على ألسنتنا ضمن أحاديثنا اليومية لكن تلك الجامعات والكليات لم تعر اهتماما لهذا الرصيد الزاخر من الأدب فظل الأدب الشعبي على هامش الاهتمامات الأكاديمية وكي لا تلتبس الأمور أنا أعتبر أن اللغة العربية شاملة للفصيح منها وللدارج أيضا وهي تتواصل وتتطور حسب العصر والمكان ومناسبة القول وموضوع الكتابة ـ فالفصاحة فصاحات ـ كما قال أستاذنا محمد رشاد الحمزاوي .

اِنبرى منذ القرن العشرين جمهرة من الأدباء التونسيين للاهتمام بالأدب الشعبي نذكر منهم محمد عثمان الحشايشي في كتابه عن العادات والتقاليد التونسية والصادق الرزقي في كتابه عن الأغاني التونسية وكان للأديب محمد المرزوقي الاهتمام الأكبر بالشعر الشعبي وبغيره من المجالات الاجتماعية تاريخيا واجتماعيا ثم واصل نهجه الشاعر محي الدين خريف في دراسة الشعر الشعبي خاصة أما الأمثال فقد جمع الكثير منها الطاهر الخميري وسار على نهجه الهادي البالغ ومحمد المي وغيرهما وقد كتب بالعامية شعراء فطاحل في الفصحى منهم مصطفى خريف وجلال الدين النقاش فهذا يؤكد أنه لا تعارض بين العامية والفصحى فلكل مستوى من اللغة مجال ولكل من العامية والفصحى اِقتدار وبلاغة بل بينهما إيلاف وتداخل واِنسجام كما في سياق حوار القصة والرواية وفي كلمات الأغاني والمسرحيات والسيناريو .

من المهتمين بالأدب الشعبي الأستاذ الضاوي موسى الذي حقق ونشر لشعراء جهة - تطاوين - بالجنوب الشرقي التونسي منهم ضو لطرش والمحسن الجليدي وبورخيص الدغاري وعلي العرضاويوالأستاذ الضاوي موسى له إصدارات أخرى منها :- مجمع الأمثال الشعبية التونسية- قصائد من الذاكرة الشعبية- قصص الأمثال الشعبية التونسية-أسرار ترسيم الحدود التونسية الليبية- أضواء على الحركة اليوسفية بتطاوين- تراجم المبدعين في ولاية تطاوين- الجنوب التونسي- طرابلس الممنوعة وقد أصدر في الآونة الأخيرة تأليفا جديدا بعنوان - أغاني البُراش والرُباج - وهو كما ورد ضمن العنوان - مرآة تعكس الهوية الثقافية النسائية بمنطقة تطاوين -الكتاب ظهر في طبعة أنيقة واضحة السطور مع شكل الكلمات العامية وشرحها أحيانا وهذا ما جعل قراءة الأشعار الواردة فيه يسيرة وواضحة المعاني والأبعاد شعر - البراش - هو الذي تغنيه النساء وقد ذكر لنا الباحث الضاوي موسى تفاصيل الاستعداد لمناسبة هذا الغناء من الدعوة إليه إلى مواضيعة المتنوعة مستشهدا بمختارات منه وكذلك سار على هذا المنهج التوثيقي الدقيق مع شعر أو غناء الرباج فقد صار هذا الكتاب مصدرا زاخرا ومرجعا للاطلاع ولبحث مدونة الأدب الشعبي في الجنوب الشرقي التونسي خاصة فمن خلال مضمون الأغاني الواردة فيه يمكن دراسة الأحوال الاجتماعية والاقتصادية ناهيك عن النواحي النفسية بما فيها من معاناة وآمال وخيبات أيضا .

هذا الكتاب عمل توثيقي مهم وفيه بعض الإشارات إلى بعض العادات والوقائع النادرة مثل هروب الفتاة مع الشاب الذي رفضه فيعمد إلى الهروب بها وفي كثير من الأحيان بعلم أمها أو أحد الأقرباء ولكن لا يختلي بها وإنما يودعها لدى أحد الوجهاء أمانة حتى يتم التراضي مع أبيها وذويها وقد يكون الأمر حيلة من الوالدين للتخلص من خاطب قريب من العائلة. الكتاب ممتع حقا وهو إضافة متميزة لمكتبة الأدب الشعبي وفيه لمسة وفاء كما يبدو ذلك من ديباجة الإهداء.

***

سُوف عبيد

 

في المثقف اليوم