أقلام ثقافية

عبد السلام فاروق: بين ضفتي الزمن

حين كانت الثقافة "زي الفل"!

في زمنٍ كان فيه العالم يقرأ "أولاد حارتنا" تحت الغطاء خوفًا من حرقها، ويتهافت على سينما مصر كأنها قطعة حلوى من "حلواني"، كانت مصر تمتلك مفاتيح الثقافة العالمية: نجيب محفوظ، يوسف شاهين، أم كلثوم... وغيرهم من "العباقرة" الذين حولوا الثقافة إلى صناعة تصدر كالقطن. اليوم، تحولنا إلى دولة تصدر "الضحك على الذقون" في برامج الكواليتي، وتتفنن في إنتاج المسلسلات التي تخلط بين الدراما والكوميديا السوداء دون قصد!

أولاً: وزارة الثقافة.. حين يتحول "الفرعون" إلى "تمساح"!

الوزارة التي كانت تشبه "خلية نحل" إبداعية، صارت أشبه بـ"مكتبة الإسكندرية" بعد الحريق: الجميع يتحدث عن عظمتها السابقة، ولا أحد يعرف ماذا يفعل بالركام الحالي! الاجتماعات الرسمية تذكرنا بفيلم "الكرنك": نفس الحوارات، نفس الوجوه، نفس الوعود بإنشاء "مدينة ثقافية" ستفتتح بعد 20 عامًا (أو بعد ما ينتهي مترو الأنفاق).

المشكلة ليست في عدم وجود مبدعين، بل في أن البيروقراطية حوَّلت الثقافة إلى "مشروع مربوط بخيط". أي فكرة جريئة تقابل بـ: "إحنا مش عايزين مشاكل!"، وكأن الثقافة يجب أن تكون كـ"الشاي السايب": خفيف، سكري، ومجمع عليه من الأمن القومي!

ثانياً: المثقفون الطواف.. أو "الهجرة من الواحة إلى الصحراء"!

في الماضي، كان المثقف المصري يدعى إلى مؤتمرات دولية كأنه "ملك". اليوم، صار مثله مثل "الكنافة النابلسية": موجودة في كل مكان، لكن الأصلية نادرة! بعضهم هاجر إلى الخليج يحمل حلم "التمويل"، والبعض الآخر تحول إلى "إنفلونسر" على السوشيال ميديا لبيع الوهم بدلًا من الفكر.

النتيجة؟ "ثقافة الشتات": مبدعون يكتبون عن أزمة الهوية المصرية من مقهى في برلين، بينما الجمهور المصري مشغول بمناقشة هل "الأرز مفلفل ولا لا؟".

ثالثاً: الثقافة الشعبية.. حين يتحول "التابو" إلى "تيك توك"!

لا ننكر أن "الثقافة الشعبية" المصرية لا تزال نابضة بالحياة، لكنها تشهد تحولاتٍ غريبة:

- "الموال" تحول إلى "راب" فيه شتائم بطلت تفهمها الجدة.

- المسرح تحول إلى "استاند أب شو" هدفه إضحاكك حتى لو كان الثمن إهانة ذكائك.

- الرواية الأكثر مبيعًا هي "كيف تصبح مليونيرًا في 10 أيام" (الطبعة المصرية: "بعد ما تورث أو تتجوز").

والدولة؟ تصرف الملايين على مهرجانات غنائية يغني فيها "النجم" عن "الفساد والغلاء"، بينما الجمهور يهتف: "دي مش مشكلتنا.. المهم الرتم يعدي!"

الحلول: خليني أتفلسف شوية!

1. اللامركزية الثقافية: لماذا لا تتحول كل محافظة إلى "جمهورية ثقافية" مستقلة؟ أسيوط تُنتج مسرحًا ثوريًا، والإسكندرية تستعيد سينما الفن، والصعيد يصدر "أغاني المواويل" بدلًا من تصدير العمالة!

2. الثقافة كـ"صناعة": بدلًا من انتظار الوزارة، لماذا لا نخلق منصات تمويل جماعي لإنتاج أفلام ومسرحيات؟ (مع ضمان أن اللجنة الفنية ليست مكونة من "أصحاب الأسماء العريضة" الذين يعتقدون أن الفن الجيد هو ما يشبه فنهم!).

3. المثقف "العملي": تدريس النقد الثقافي في المدارس، وإعادة تعريف "القدوة": ليس فقط الفنانين، بل العلماء والمهندسين والمُزارعين الذين يحملون حكاياتٍ تصلح لأعمالٍ إبداعية.

4. الثقافة في الشارع: تحويل الميادين إلى مساحات مفتوحة للعروض، والاستفادة من جدران العمارات كلوحات فنية (بدلًا من إعلانات "خليك تقيل").

***

د. عبد السلام فاروق

 

في المثقف اليوم