أقلام ثقافية

حميدة القحطاني: العلاقات والمشاهدات.. أبواب للسطحية أو منافذ للنور

كما تطرد العملة الرديئة العملة الجيدة، تفعل الصحبة السيئة والعلاقات الهشّة الشيء ذاته. تستحوذ على طاقتك واهتمامك، وتسحبك شيئًا فشيئًا إلى دوائر السطحية والهشاشة.

لا تكتفي بذلك، بل تبعدك أيضًا عن الصحبة الطيّبة، وتغلق عليك أبواب العلاقات العميقة والبسيطة في آن، تلك التي تمنحك شعورًا بالصدق والدفء، وتكون خزينتك وقتما تعصف بك الأيام.

ومثلما تؤثر الصحبة، تفعل المشاهدات. فمشاهد الأخبار السوداوية وجرائم العنف، أو الترفيه الفارغ الصاخب، أو حتى ما يُروَّج له من محتوى ماجن بعيد عن الذوق والخلق، كلّها تغلف وعيك وتُربك بصيرتك، حتى تنأى بك عن الجمال، والحكمة، والذوق، والمحبة، والسلام.

الانتباه لما نستهلكه من علاقات ومشاهدات، ليس رفاهية، بل ضرورة لصحة أرواحنا. فلنكن حرّاسًا لأبواب أرواحنا، نفتحها لما ينمّي فينا النور، ونغلقها أمام كل ما يسرّب الغبار إلى أعماقنا.

فاختياراتنا اليومية، وإن بدت عادية، هي التي تشكّلنا وتحدّد الطريق: إما نحو الضجيج والفراغ، أو نحو السكينة والامتلاء الحقيقي.

فالرحلة على هذه الأرض لا تتكرّر، وتنمية الذات ليست نزهة بل جهد متواصل.

ورغم أن التجربة فردية في جوهرها، إلا أن الآخرين مرآة لنا.

وما يظهر في تلك المرآة من مبالغة أو تسريب وقت أو خدوش نفس أو زيف يغطي الروح، لا بد أن يُنظر إليه بيقظة.

فالزيف يحجب الحب، ويطفئ الجمال، ويخنق الرحمة والرفق والتواضع.

لهذا، نحتاج إلى وقفة صادقة مع أنفسنا، نراجع فيها مسارنا، ونتعلّم كيف نعتني باختياراتنا:

ننتقي بعناية، ونصادق بوعي، ونشاهد بذوق.

فالانتقاء، بكل أشكاله، وسيلة للارتقاء. ومكمن المعنى والسلام والجمال، دائمًا، في الارتقاء.

حتى البقاء في هذه الحياة يمكن أن يكون سمرًا جميلًا إن تلون بالارتقاء.

ومن كسب نفسه، كسب العالم بأسره.

وما من غاية أنبل من أن تعرف نفسك، وتنمّيها، وتزكّيها، وتجنّبها مهالك التسافل والانحطاط والضياع.

***

د. حميدة القحطاني

 

في المثقف اليوم