أقلام ثقافية

علي حسين: نصيحة على مكتب القارئ النهم

تتميز الكتب التي تحوي تجارب القراءة والكتابة بطعم خاص، فما بالك إذا كان الكتاب يتحدث عن تجربة رجل كانت مهنته الوحيدة في الحياة هي القراءة وتحرير الكتب، مثل روبرت غوتليب الذي توفي العام الماضي عن عمر “ 92” عاما -ولد في 29 نيسان عام 1931 -، خلال ما يقارب 60 عاما كان فيها يقرأ ويكتب ويقدم النصيحة لكبار الكتاب الذين عاصروه، وعمل محررا أدبيا لعدد من الكتاب البارزين أمثال دوريس ليسينج، وتوني موريسون، وسلمان رشدي، وأنتوني بيرجيس، ونايبول، بالإضافة إلى راي برادبري، وبوب ديلان.

وضع غوتليب عنوان مثير لكتابه " القارئ النهم " . ترجمه إلى العربية أنس محمد .

يخبرنا أكيف ان جده قرر اختار أن يعلمه القراءة عندما كان في الرابعة من عمره، بعدها أمضى معظم مراحل حياته، من المدرسة إلى الجامعة، وهو في حالة.. قراءة دائمة، لدرجة أنه كانت تفوته مواعيد حصص الدراسة أو المحاضرة، إذ يكون غارقاً وقتها بين دفتي كتاب ما.

أتجول بين صفحات " القارئ النهم " واتذكر كيف ان القراءة مثلت إحدى أجمل ذكرياتي في الصغر، وكل شيء بدأ عندي اشيه برحلة، ذات يوم وانا ابن العاشرة من عمري وفي احدى مناطق بغداد، اخذتني قدماي الى مكتبة يملكها أحد أقاربي يبيع فيها الكتب والمجلات والصحف، في ذلك النهار وأنا أتجول بين العناوين وصور الأغلفة الملونة، اكتشفت إن هذا المكان يمكن أن يصبح كل عالمي .. عندما استرجع كيف قضيت سنوات طويلة من عمري في رفقة الكتب، أتساءل أحيانا إن كانت هذه الكتب غيرت حياتي، أم انها سجنتني في عوالم مثالية وخيالية . كنت وأنا أدخل المكتبة، التفت باتجاه الرفوف التي تحوي مئات العناوين، وأشعر ان هذه الكتب تنظر ألي وإنها تعرف عني أكثر مما أعرف عنها، وأحيانا أتخيل ان كل كتاب يخفي داخله عالماً سحرياً لانهاية له.

يكتب روبرت غوتليب: لقد اندلعت شرارة علاقتي الغرامية مع القراء وتأكدت من خلال الرسالة التي وجهها ريتشارد سيمون إلى جميع موظفي شركة سيمون وسوسته عن طريق اثقال ورقية برونزية حفرت عليها هذه الكلمات (رفقا بالقارئ) " .

على مدى الايام التي تجولت فيها بأجنحة معرض الرياض الدولي للكتاب،كنت اشعر بنشوة غريبة لحظة النظر الى الكتب، وغالباً ما كانت الأغلفة تقذف بي الى عالم مجهول، بينما كنت أرغب بكل كياني أن أغور في أعماق هذه الكتب، وحين أتمكن من الحصول على كتب جديدة، يبدأ قلق آخر، البحث عن عناوين جديدة آخرى، كنت أًبحث في رفوف المكتبات مرهوباً بالأسماء، هذا تولستوي وذاك ايمانويل كانط، هنا يقف ماركيز، الى جانب البير كامو، من زاوية في احد الأجنحة ينتظر سارتر على احد الرفوف، فيما شوبنهاور لا يريد ان يوضع على رف واحد مع غوته . في زاوية ما يقبع الجاحظ فيما يندب ابو حيان التوحيدي حظه، كنت مثل طفل ضائع وسط غابة كبيرة، يتطفل النظر في وجوه الآخرين، شعور بالسعادة يغمرني، وأنا أمارس لعبة بعث الكُتاب الموتى من قبورهم . تطلق الكتب العنان لمخيلة القراء وتمنحهمً، عالما جميلاً، ومنسجما .

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

في المثقف اليوم