أقلام ثقافية

عبد الرضا حمد جاسم: رحلة دون تدخل في كتاب محمد الماغوط (4): المبتدأ والخبر

بعد ان اتى الجراد السياسي في الوطن العربي على الحاضر والمستقبل يبدو انه الان قد التفت الى الماضي وذلك حتى لا يجد الانسان العربي ما يسند ظهره اليه في مواجهة الاخطار المحيطة به سوى مسند الكرسي الذي يجلس عليه بدليل هذا الحنو المفاجئ على لغتنا العربية وهذه المناحة اليومية في معظم صحف واذاعات المنطقة على ما أصاب قواعدها من تخريب وما يتعرض له صرفها ونحوها من عبث واستهتار حتى لم يعد احدنا يعرف كيف يقرا رسالة او يدون رقم هاتف.

و مع احترامنا لكل حرف في لغتنا ومع تقديرنا لجميع ظروف الزمان والمكان في كل جملة ومرحلة في الوطن العربي لا بد ان نسأل:  ما الفائدة من الاسم اذا كان " صحيحاً" والوطن نفسه معتلاً؟

او اذا كانت هذه الجملة او تلك مبنية على الضم او الفتح والمستوطنات الإسرائيلية مبنية امام اعيننا على جثث التلاميذ والمدرسين الفلسطينيين؟ ثم لم وجدت اللغة أصلا في تاريخ أي امة؟ اليس من اجل الحوار والتفاهم بين افرادها وجماعاتها؟

فأين مثل هذا الحوار فيما بيننا؟

هل هناك حوار مثلاً بين التاجر والزبون؟

بين العامل ورب العمل؟

بين المالك والمستأجر؟

بين الراكب والسائق؟

بين المحقق والمتهم؟

بين الابن والأب؟

أو بين الزوج والزوجة؟

ايضاً لم تعد هناك حاجة لأن تسأل عن أي شيء او تجيب على أي شيء فالأسعار مثلاً في السينما مكتوبة في كل بطاقة وفي المستشفى فوق كل سرير وفي المطعم في كل فاتورة وكل ما حول المواطن العربي اصبح سعره واضحا ومعروفا ومكتوبا على جميع جوانبه من الألبسة والأحذية والفاكهة والخضروات والبيوت والبارات والمزارع والعقارات الى الرياضيين والمطربين والكتاب والصحفيين ولم يبقى الا ان يُكتب على الشعوب سعرها ومنشؤها ومدى صلاحيتها للاستعمال.

 والاهم من كل هذا وذاك: هل هناك حوار بين السلطة والشعب في أي زمان ومكان في هذا الشرق؟

فأي مسؤول إنكليزي مثلا عندما يختلف في الراي مع أي كان في محاضرة او مناقشة في بلده يأتي بحجه من شكسبير لإقناع مستمعيه والإيطالي يأتي بحجة من دانتي

و الفرنسي يأتي بحجة من فولتير

و الألماني يأتي بحجة من نيتشه

اما أي مسؤول عربي فلو اختلف معه حول عنوان قصيدة لاتاك بدبابة وتفضل وناقشها

ولذا صار فم العربي مجرد قن لإيواء اللسان والاسنان لا اكثر

و في مثل هذه الأحوال:

ماذا يفعل حرف الجر المسكين امام حاملة الطائرات مثلاً؟

او الفتحة والضمة امام مدفع مرتد يتسع لمجمع لغوي؟

و ما دام الحوار الوحيد المسموح به في معظم ارجاء الوطن العربي هو حوار العين والمخرز فلن ترفع الا الأسعار

و لن تنصب الا المشانق

و لن تُضم إلا الأراضي المحتلة

و لن تجر إلا الشعوب

لذلك كلما قرات او سمعت هذا او ذاك من الشعراء والصحفيين والمذيعين العرب "يجعجع" عن الديمقراطية والعدالة والحرية وينتصر على الصهيونية ويقضي على التخلف ويتوعد هذا ويهدد ذاك وهو جالس في مقهاه او وراء مذياعه لا أتمنى سوى تأميم اللغة العربية من المحيط الى الخليج وتكويمها في بيدر او ساحة عامة في قلب الوطن العربي وتكليف موظف مختص وراء اذنه قلم وامامه سجل يجمع الكتاب والشعراء والادباء  العرب وينادي عليهم بأسمائهم ويسالهم فردا فردا:

انت أيها الشاعر التقليدي، كم كلمة مثل: رماح، رمال، جراح، بطاح، تريد؟ تفضل مع السلامة.

وانت أيها الشاعر الحديث كم كلمة من أمثال: تجاوز، تخطي، أبداع، تأنس، تريد؟ تفضل مع السلامة

و انت أيها المذيع العصبي كم كلمة من أمثال: "في هذه الظروف العصيبة" و"في هذه اللحظات الحاسمة" تريد؟ تفضل مع السلامة

و انت أيها المثقف المتزن كم كلمة من مثال: "في الواقع"، "في الحقيقة"، "جدلية" و"شمولية"، و"نظرة موضوعية" و"قفزة نوعية" تريد؟ تفضل مع الف سلامة.

 وانت أيها المناضل والمتطرف والمتفرغ لكل محاضرة وندوة ومناسبة كم كلمة من أمثال: دم، دماء، استعمار ،امبريالية، شعوب، "وحدة شعوب"

، "وحدة المصير"، كوبا ،نيكاراغوا، وكم مناقصة فوقها تريد؟ تفضل ومع الف الف سلامة

فقبل احترام اللغة يجب احترام الانسان الذي ينطق بها.

 الى التالية 5/ الأجندة

 ***

 عبد الرضا حمد جاسم

في المثقف اليوم