أقلام ثقافية

هيثم نافل والي: حلاوة الروح

لم أعد أكتب للجمهور كما نوهت، بل، أمارسها الآن كالرياضة من أجل الصيانة البدنية!.. الدين يا جماعة الخير والتاريخ كلاهما من نوع واحد، أقصد، من صنف الكارثة الإنسانية! هذا ليس إجتهاد مني، بل، الواقع المخبول الذي نعيشه هو الذي صنفهما هكذا! فمن يرغب بمقاضاة أحدهم، عليكم مقاضاة الواقع الذي تعيشونه! اتفقنا؟.. حسناً، لنقل ما نريده..

في يوم لم أحبه، بعثت لي سيدة ملف قالت عنه ديوانها الشعري الأول..

طيب، ما دخلي أنا في كل هذا؟ أجابت بإسترخاء متمكنه منه:

- أرغب بأن تعيد كتابته بأسلوبك!!

مستغرباً من طرحها الشنيع، مجيباً بغباء مفتعل:

- كيف يعني؟.. ثم انتهى الموضوع من طرفي بالرفض طبعاً..

بينما كنت في يوم مغبر في القاهرة عندما طلب مني دكتور يقول عنه نفسه كاتباً روائياً؛ حسناً، رحبت به، فباغثني بطلبه وهو يرمي في حضني ملف قال عنه روايته الجديدة الثمينة:

- أريدك أن تقرأها وتعطيني رأيك فيها..

ما أن فتحت الملف حتى أغلقته! ليس تكبراً، بل تجبرا، نعم، كان الملف يحتوي على سوالف عجائز، لا تستغربوا، هذا ما وجدته في الملف، سوالف كتلك التي كانت العجائز تحكيها للصغار قبل نومهم!!.. وانتهى الموضوع برفض الإبداء بالرأي كيلا يعرف حقيقته المخجلة!

دخلنا مكتبه في مساء من يوم حار أجهل سبب أرتفاع حرارته في شتاء أفريقي لا يستهان ببرودته! حسناً، لأقل ما أنوي التنويه عنه، لم يكن مزحة إطلاقاً، بل كان موقفاً جدياً منه.. دخلنا مكتبه، كان محسوباً على المثقفين العرب، يكتب، وينشر، ويجري المقابلات الإذاعية والصحفية المحلية والدولية، وما أن فتح باب مكتبه حتى تفاجأت من وجود جهاز التلفاز يشتغل على صوت الدين وبصوت جهوري فاستغربت ذلك، سألته ببراءة نادرة:

- هل نسيت جهاز التلفاز يعمل قبل إغلاقك المكتب؟ هذا هدر للطاقة ومكلف في ذات الوقت.. قاطعني متأرجحاً بوقفته كشخص سكران:

- هناك من عمل لي عملاً.. فأردت طرد الشياطين والجن وإبطال العمل السيء المعمول لي لذلك أبقي جهاز التلفاز على هذه القناة صباح مساء وهي تبث صوت الدين!. أكيد عرفتم ما نقصده بصوت الدين؟..

في يوم كان ضبابياً، عند نهاية الخريف، لم تكن الرؤيا فيه واضحة، مثل بخار متصاعد من على قدر ماء يغلي؛ خاطبني أحدهم من دولة بائسة، لا يعرف تاريخها غير القتل والمرض والتراجع، ما علينا، هذا ليس موضوعنا. قال لي بالحرف متباهياً بغرور لا يملكه أجبن ديك:

- سأبعث لك قصة قصيرة كتبتها وأنوي المشاركة فيها بمهرجان للقصة القصيرة..

سألته مستغرباً من حديثه، شعرت بأني لست طرفاً في أمنياته! فأجبته بجدية لعينة يرفضها الناس لصدقها:

- نعم أسمعك!

سمعته يضحك كالشيطان وهو يغرد مبتهجاً بإنجازاته العظيمة، مجيباً:

- هكذا أنت دائماً تبحث عن المتاعب في ردودك! ثم واصل مستهتراً:

- أريدك أن تعيد صياغة القصة كي أفوز بإحدى جوائزها الثمينة! بعدها قتل جملته بقوله: هذا طموحي الذي أتمسك به وأود تحقيقه!..

عجيب أمور بعض الناس، هو يريد تحقيق أحلامه ولا يقدر، طيب، ما ذنب الآخرين بلعناته تلك؟!

أجبته بالرفض القاطع طبعاً، لكنه أستمات، أعاد المحاولة تلو الأخرى، وهو يتوسل حد البكاء.. وقتها لنت، قلت لنفسي، لن أخسر غير الجهد، لأفعل له ذلك وليرحمني الله.. أعدت صياغة قصته الشنيعة بأسلوبي المنكوش، وفاز فعلاً بالجائزة الثالثة لمهرجان القصة القصيرة!.. ثم نسيني ولم يعد يعرفني كالذين كتبت لهم مقدمات لكتبهم، تلك التي لم أتقاض عليها أجراً..

في يوم ولى فيه الصيف الذي لا نعرفه، كتب لي أحدهم طالباً كالعادة، أن أنظر لشيء يقول عنه قصة قصيرة! لبيت طلبه بإحترام خالص، بحثت عن قصته التي يقول عنها قصيرة ولم أجدها! أعني، كلما تمعنت بالنص أبتعد عن مفهوم القصة القصيرة. طيب، ما الذي أفعله تجاه شخص توجه لي شخصياً بالرجاء لمتابعة أو معالجة شيء يقول عنه قصة قصيرة، وما هي بقصة. لا تمت لبرنامج القصة القصيرة بشيء إطلاقاً، كانت مجرد خاطرة طويلة، لعينة لا تريد أن تنتهي، وهو يردد أنها أجمل إبداع ظهر لي في مجال القصة وأحب أن أعرف رأيك فيها؟!..

الحقيقة، لم أرد عليه كيلا أجرح قلمه.. لذت بالصمت، وجدتها أحلى صلاة أمارسها تجاه هكذا أعمال شيطانية، لا تنبعث إلا من جهال..

مما تقدم لدي ما أذكره، هذا لا يعني بأنهم كلهم هكذا، على العكس؛ هناك من هم أهل للثقة، حتى وإن كانت إمكانيتهم على قدر حالهم، يعترفون بذلك، لا يقلل هذا من قوة شخصيتهم، أجده نافعاً جداً، احترمه وأتعامل معه، وللمثال، أذكر إعلامي عراقي، أرسل لي ملف فيه قصة حياته الإبداعية، قال، هذا وما مكنني الله عليه، صغه بإسلوبك، وأضف له ما تجده مناسباً، حرره من القيود والأخطاء، أجعله كتاباً أفتخر به ومن خلالك.. احترمت صراحته، قدرتها حق تقدير، جلست، قرأت ما كتبه، فأعدت صياغته بأسلوبي، أضفت وحذفت ما وجدته لزاماً حتى خرج الكتاب بأحلى جوهر، فنقدني الرجل 500 يورو نقداً وعدا لقاء ما قدمته بجدية صارمة وصلت حد الإيمان، كإيمان الإنسان بالحجر من قبل، ذلك الذي كان يعبد ويسجد له كونه آله لا يضر ولا ينفع، لا يسمع ولا يتكلم، مسالم كان الحجر وطيب!..

***

بقلم: هيثم نافل والي

 

في المثقف اليوم