أقلام ثقافية
محمد سعد: البيت المهجور في قريتنا..!!
جلسنا تحت شجر الجميز وشجر الكافور علي ضفاف شاطىء ترعه الجبادة امام قريتنا، في ليلة صيف قمرية نفكر في في أسفل المنحدر وعلى أطراف قريتنا الجميلة، كان هناك بيت قديم جدًا أشبه بالخربة، سقفه من الطين المختلط بالقش وجدرانه مختلطة من الطوب الاحمر والطين، لا اعلم وقتها كيف اقيمت، ويحيط به سياج من أشجار الكافور والخروع، كنت أنا وكلّ أطفال القرية ننسج قصصاً مرعبة مخيفة عن العجوزة التي تسكن البيت القديم، نتخيلها مرة ساحرة شريرة، وأحيانًا نتخيلها ستنا الغولة التي تأكل الأطفال، ومرة مجنونة لمسها الجن، سمعتهم يقولون إنّ في حقلها خلف سياج الأشجار يوجد عش لليمام يعشش فوق شجرة الجميز الكبيرة، تلك اليمام والحمام والعصافير التي يتحدثون عنها كثيرًا، أثارت رغبتي الطفولية في الحصول على بيضها، كنت في تلك المرحلة من عمري احب المجازفة، فأقنعت ثلة من أصدقائي في التوجه نحو بيت العجوزة الشريرة، متسللين على أطراف أقدامنا خلسة إلى حقلها مثل اللصوص، كان أحد أصدقائي اصغر مني مترددًا في قراره، لكنّني كعادتي اقنعته واخبرته أننا نضع في جيوبنا الصغيرة بالحجارة ونحمل العصا الخشبية كحماية لنا.. اقتربنا من البيت المهجور بالقرب من الحقل وكان المكان يبدو مهجورًا لا يقطنه أحد، تسللنا بمنتهى الخفة إلى الداخل مقتربين من شجرة الجميز الكبيرة بحثًا عن اليمام والحمام، وفجأة سمعنا حركة بخطوات غير اعتيادية؛ ما جعلنا نركض باطراف انامل اقدامنا لنتوارى خلف كومة من الزبالة والسبخ حاولنا قدر المستطاع التستر ببعض من الكرتون على رؤوسنا كانت لحظات حاسمة جداً ومرعبة احتبسنا فيها الآنفاس، وانا اشير لهم بالثبات وعدم ابداء أي تحركات، ورغم شدة الإرتجاف التي أصابتنا، إلا أنّ صديقي الخواف كعادته بدأ يتنهد بالبكاء شيئاً فشيئًا مع اقتراب خطوات تلك العجوز الشريرة، فهو نفسه الذي بكى عندما اخبرتهم أن الأرانب في هذا البيت المهجور تبيض وعلينا البحث عن بيضها...بدأ يشتدّ ارتعابه ويبكي وأنا أحاول اسكاته واقناعه ان بيض الارانب غالي الثمن، وفي محاولة طلبت منه أن لا يخاف ولا يجزع، فحتى أن امسكتنا العجوز الشريرة وحاولت طبخنا في القدر الكبير، فسنضربها جميعاً ونعتلي البساط الطائر لنحلق بعيداً، وسأجعله يقود ذلك البساط، لكن يبدو أن محاولة اقناعي له بعدم الخوف كانت فاشله، حيث تعالى صوت بكاءه عندما سمع أنَّ العجوزة ستطبخنا في قدر كبير.. حاولت طمأنته للمرة الثانية فأخبرته أن العجوزة لا تمتلك أسنانًا بل تمتلك ناباً واحداً، تمتص فقط دمنا اللذيذ، فتعالى صوت صراخه ورجفته اكثر، وما كدت افزع من نوبات صراخه حتى يزداد ببكاءه، فهددته أن المكان مسكون من الجن والعفاريت وهي تحضر في الليل مع صرخات البكاء بعد أن نخرج من هنا استمر ببكاءه ولكن دون جدوى، وفجأة. سمعنا صرخاتها امسك حرامي.
واسرعنا بالجري حتي وقعنا في خرارة مجاري وانتهي حلمنا وحكايتنا في مستنقع من المجاري .انها حكايات من طفولتنا البريئه .!!
***
يوميات مثقف في الريف
محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري