دراسات وبحوث

منى زيتون: الأقوام البائدة والصحف المنسوخة

بينما التوراة لا تذكر من الأقوام البائدة الكافرة سوى قوم نوح وقوم لوط وقوم فرعون، فالقرآن يحدثنا عن الأقوام الأولين البائدين وأولهم قوم نوح وآخرهم قوم فرعون، وبينهما أقوام كثيرون كقوم عاد وقوم ثمود وقوم تُبَّع، وقوم إبراهيم وقوم مدين، والأخيران ذكرتهما التوراة ولم تذكر كفرهما إلا في مواضع متأخرة وليس عند مبدأ الحديث عنهم!

‏﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)﴾ [الحج: 43- 44].

﴿‏أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [التوبة: 70]. والمؤتفكات هم قوم لوط.

ولا خلاف بين القرآن والتوراة في أن قوم نوح هم أول قوم من الأقوام العصاة الذين استحقوا الهلاك بكفرهم. ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)﴾ [الإسراء: 17]. وأعاد الله إعمار الأرض بعدهم. ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء: 3].

والقرآن يذكر قوم عاد، وأنهم أول قوم استخلفوا في الأرض بعد قوم نوح. وسنشرح في مبحث منفصل في كتابي "القصص الحق" ما ذكره القرآن عن (إرم) وما ذكرته التوراة عن (أرام).

﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا .............أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)﴾ [الأعراف: 65: 69].

ثم يذكر القرآن قوم ثمود بأنهم من خلفوا بعد قوم عاد، ولا تأتِ التوراة على ذكرهم بتاتًا رغم أن صالح من أجداد إبراهيم، ويسمونه في توراتهم شالح لإبهام اسمه كي لا يُعرف. ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ................... وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)﴾ [الأعراف: 73- 74].

وتأكيدات القرآن حول ترتيب هؤلاء الأقوام الثلاثة متكررة. ﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) ﴾ [غافر: 31].

﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)﴾ [النجم: 50- 53].

﴿وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)﴾ [إبراهيم: 8- 9].

وفي الآيات إخبار لنا من القرآن الكريم أن بني إسرائيل جاءهم خبر قوم عاد وقوم ثمود، لأننا لا نجد لهم أثر في التوراة. وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ تأكيد آخر على كثرة الأقوام البائدة الذين لم يقص الله تعالى علينا قصصهم، وبعضهم ذُكر اسمه في القرآن دون أدنى تفصيل كأصحاب الرس وقوم تُبع.

﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)﴾ [الفرقان: 37- 38]. حتى أن المدقق في آية الفرقان يستنبط منها أن قوم نوح أرسل الله إليهم رسلًا آخرين معه.

وفي بعض الآيات يكون ذكرهم دون ترتيب زمني لغرض ما من جمع كل مجموعة منهم في آية واحدة. ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13)﴾ [ص: 12- 13].

﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)﴾ [ق: 12- 14].

وقد بحثت عن أصحاب الرس الذين قُرنوا بثمود مرتين في القرآن الكريم، وما اطمأننت إليه أن الرس هو وادٍ كثير النخل، وبه بئر مطوية بالحجارة، وقد ذُكر الواد في معلقة زُهير بن أبي سُلمى، واختلفوا في مكان وادي الرس، والأقرب أنه في اليمامة بنجد، وأهم ما في الأمر أن أصحاب الرس ألقوا نبيهم في البئر التي بالوادي.

بَكَرْنَ بُكُورًا وَاسْتَحْرَنَ بِسُحْـرَةٍ ***** فَهُـنَّ وَوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَـمِ

فَـلَمَّا وَرَدْنَ المَاءَ زُرْقاً جِمَامُـهُ ***** وَضَعْـنَ عِصِيَّ الحَاضِرِ المُتَخَيِّـمِ

ويذكر القرآن كفر قوم مدين وغشهم في الموازين. ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ [هود: 84].

وديار مدين إلى الجنوب من قرية لوط عليه السلام، في أقصى الجزء الشمالي الغربي من جزيرة العرب، وهذا معلوم لا خلاف فيه بين العرب، وإن كانت التوراة قد نقلتها لتكون جنوب البحر الميت مباشرة وليس شرق خليج العقبة كما نعرف. وقوم مدين قد أهلكوا بالصيحة مثل قوم لوط. وقد نص القرآن على لسان شعيب عليه السلام بأن ما حدث لقوم لوط قريب منهم، ولا يُفهم تحديدًا هل القصد لقربهم المكاني أم الزماني أم كليهما.

﴿وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)﴾ [هود: 89].

فلو كان قربًا زمانيًا فهذا يعني أن القرآن يخبرنا أن كفر قوم مدين وبعثة نبي الله شعيب فيهم كان بعد هلاك قوم لوط بزمن يسير، وهذا يجعل شعيبًا أسبق من إسماعيل أو معاصرًا له، وهو احتمال مستبعد تمامًا لأن قوم مدين من نسل إسماعيل، فجُذام ممن تشاءم من ولد سبأ، وسنناقش هذه النقاط في مواضعها من كتابي "القصص الحق".

ورغم أن التوراة ذكرت قوم مدين ونسبت أباهم إلى نبي الله إبراهيم -كما سنشرح في مبحث منفصل في كتاب "القصص الحق"-، وذكرتهم مرة ثانية في قصة موسى عليه السلام، إلا أنها لم تذكر كفرهم القديم وبعثة نبي فيهم.

والقرآن يذكر قوم تُبَّع دون أن يقص قصتهم، ويُذكِّر بالذين من قبلهم، فكأنهم من آخر الأقوام البائدة قبل قوم فرعون، ولكنهم ليسوا في عتو وكفر قوم فرعون. وتُبَّع هو ملك عربي يمني على المشهور عند العرب، لم يكن قومه مؤمنون.

﴿‏أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [الدخان: 37].

‏ويؤكد القرآن مرارًا على أن آل فرعون هم آخر الأقوام البائدة.

﴿‏كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [آل عمران: 11].

‏﴿‏كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: 52].

‏﴿‏كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [الأنفال: 54].

وفي القرآن الكريم آيات تضم قارون –وهو من بني إسرائيل قوم موسى عليه السلام- إلى فرعون ووزيره هامان، وتخبرنا أن موسى كان مرسلًا إلى قارون مثلما هو مرسل إلى فرعون وهامان، وتذكر الخسف ضمن طرق العقاب الدنيوي التي عاقب بها الله الخطاة العاصين.

 ‏﴿‏وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)﴾ [العنكبوت: 39- 40].

ومعلوم أن قارون هو من خُسف به وبداره الأرض.

﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)﴾ [القصص: 81].

ويخبرنا القرآن الكريم أن التوراة أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام بعد هلاك القرون الأولى، ما يؤكد أن فرعون وقومه هم آخر القرون الأولى.

‏﴿‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)﴾ [القصص: 43].

وهو ما لا تختلف فيه التوراة، ولكنها لا تنص عليه، كونها لم تذكر أن صحفًا نزلت على موسى في الفترة التي دعا فيها فرعون وقومه للإيمان، فوفقًا للتوراة فالله لم ينزل على موسى سوى ألواح التوراة وبعض الآيات التي نزلت فرقانًا عليه وعلى هارون عليه السلام بعدها، وذُكر بعض فرقان موسى في سفر التثنية، بينما يذكر القرآن ما أنزل عليه قبلها ويسميها بصحف موسى، ويذكر أيضًا صحف إبراهيم، أو يعمم فيقول الصحف الأولى.

‏﴿‏وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ [طه: 133].

 وهي صحف منسوخة لم تبقَ، فكأن القرآن يخبرنا أن الكتب السماوية الثلاث الباقية للرسالات الخاتمة نزلت بعد هلاك الأقوام البائدة الأولى، لكن يوضح الله تعالى في القرآن أن ما شرعه لأمة محمد هو مزيج مما وصى به نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، إضافة إلى ما أوحاه لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

‏‏﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا ‏بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى ‏الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ ‏يُنِيبُ (13)﴾ [الشورى: 13].

ويذكر لنا القرآن في سورة النجم بعضًا مما لم يُنسخ، ومنه ذكر قومي عاد وثمود، وربما كان في هذا تبرير لغياب ذكرهما في التوراة؛ إن كان قد نزل ذكرهما في الصحف المنسوخة قبل التوراة وحسب.

﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) ﴾ [النجم: 36-  56].

ثم يذكر لنا القرآن بعض ما نزل في الصحف الأولى المنسوخة في سورة قصيرة كاملة، هي سورة الأعلى.

﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)﴾ [سورة الأعلى].

***

د. منى زيتون

مستل من كتابيّ "القصص الحق" و "تأملات في كتاب الله"

في المثقف اليوم