قراءات نقدية
ريم حاوي: يحيى السماوي وقصيدته "شكوى حسينيٍّ تأبّد حزنه"

تتألق قصيدة "شكوى حسينيٍّ تأبّد حزنه " ليحيى السماوي كعمل شعري ينسج رثاءً حسينيًا بأسلوب عمودي يحمل إيقاعًا مهيبًا عبر البحر الكامل والقافية الموحدة، مما يضفي عليها طابعًا وقورًا يعكس عمق المأساة الحسينية. يبرع الشاعر في استحضار صور بصرية وعاطفية مكثفة، كما في قوله "الماء منذ منعته عطشان.. والغيم والأشجار والإنسان"، حيث يربط عطش كربلاء بحالة كونية تشمل الطبيعة والإنسان، مكرسًا الحسين رمزًا للعطاء والمقاومة. جمالية هذه الصورة تكمن في قدرتها على تحويل المأساة الفردية إلى تجربة جمعية، تعززها لغة بليغة تجمع بين الإيجاز والتأثير العاطفي.
يوظف السماوي الطبيعة كمرآة للحزن، كما في "لطم الفرات ضفافه ونخيله.. حزنًا وشقت زيقه الغدران"، حيث يجسد الفرات ونخيله ككائنات حية تشارك في الرثاء، مضفيًا بعدا حسيا يعمق التفاعل مع النص. الإيقاع المنتظم يعزز هذا التأثير، إذ يمنح القصيدة نبرة تراجيدية تشبه النواح، مما يجعلها مناسبة للسياق الحسيني في مهرجان الشطرة.
تبرز القصيدة أيضًا في قدرتها على الانتقال من الرثاء إلى النقد الاجتماعي والسياسي، كما في "زمن ولا كالجاهلية.. قدست فيه العرش وسيس القرآن"، حيث يستخدم السماوي الإشارات التاريخية لانتقاد الفساد والخنوع المعاصر. هذا التحول يضفي على النص بعدا معاصرا، حيث يصبح الحسين رمزًا للعدالة والمقاومة ضد الظلم. جمالية هذا الجانب تكمن في التوازن بين اللغة الشعرية العالية والرسالة الاحتجاجية، مما يجعل القصيدة صوتًا للضمير الجمعي.
مع ذلك، يمكن ملاحظة أن الاعتماد على الإيقاع المنتظم والقافية الموحدة قد يحد من مرونة التعبير عن تعقيدات الواقع المعاصر، خاصة في تناول قضايا مثل التصهين والفساد، التي قد تستدعي لغة أكثر تجريدًا أو انفلاتًا إيقاعيًا لتعكس الفوضى المعاصرة. كما أن تركيز النص على الصور التقليدية، رغم جمالها، قد يقلل من جاذبيته للقارئ الذي يبحث عن تجديد أسلوبي.
بشكل عام، تتفوق القصيدة في توظيف اللغة البليغة والصور الحسية لخلق تجربة رثائية مؤثرة، تعززها الإحالات الدينية والتاريخية التي تجعل الحسين مركزًا للتأمل في العدالة والإنسانية. إنها قصيدة تحمل روح الشامية ونبض المقاومة، محققة توازنًا بين الجمال الشعري والرسالة الأخلاقية، مما يجعلها جديرة بسياقها الثقافي والديني.
***
ريم حاوي - لندن
......................
شكوى حسينيٍّ تأبّد حزنه
الـمـاءُ مـنـذُ مُـنِـعْـتَـهُ عـطـشـانُ ..
والـغَـيـمُ والأشـجـارُ والإنـسـانُ ..
*
والـبـاكـيـاتُ عـلـيـكَ قـبـلَ عـيـونـنـا
مُـقـلُ الـهـدى والـحـقُّ والإيــمــانُ
*
لَـطَـمَ الـفـراتُ ضـفـافَـهُ ونـخـيـلَـهُ
حُـزنـًا وشَـقَّـتْ زِيـقَـهـا الـغـدرانُ
*
يا ابـنَ الـذي لا سـيـفَ إلآ سـيـفُـهُ
وفـتـىً ولـيـسَ كـمِـثـلـهِ الـفـتـيـانُ
*
وابـنَ الـتـي تُـعـنـى إذا قـال امـرؤٌ :
خـيـرُ الــنـسـاءِ ولـلـتـقـى عـنـوانُ
*
وأخَ الـذي مـا سَـلَّ َ سـيـفَ عَـزيـمـةٍ
إلآ تَــســاقَـطَ حـولَــهُ الــفــرسـانُ
*
أرخَصـتَ نـبضَـكَ للحنيفِ فـأرخَصَتْ
لــكَ نـبـضـهـا وخـلـودَهـا الأزمـانُ
*
فـلأنـتَ مـن فـجـرِ الـشـهـادةِ شـمـسُها
ولأنــتَ مـن ثــغــرِ الـجـهـادِ لِــســانُ
*
ولأنـتَ مـن دِيـنِ الـصــراطِ إمـامُـهُ
ومـن الـعـطـاءِ الـقـلـبُ والــشــريـانُ
*
مـولايَ لـي عـذري فـبـعـضُ تـسـاؤلٍ
فـيـهِ الـجـوابُ إذا اشـتـكـى الـحَـيـرانُ
*
جـاز الـزُّبـى زبَـدُ الـخـنـوعِ فـصـبـحُـنـا
داجٍ ... وأمّــا لــيــلُـــنــــا فــهَــوانُ
*
صَــحـراؤنـا بـحـرٌ ... ولـكـنْ مــاؤُهُ
جَـمــرٌ ... وأمّـا مـوجُـهُ فــدُخــانُ
*
مـن أيـنَ يـأتـي بـالـسـفـيـنـةِ مُـنـقِـذًا
" نـوحٌ " ولـيـس بـأرضِـنـا بُـسـتـانُ؟
*
الأرضُ أبـعَـدُ ما تـكـونُ عـن المدى
وقـد اســتـبــدَّ بـمـوجِـهِ الـطـوفـانُ
*
زمَـنُ ولا كـالـجـاهـلـيَّـةِ .. قُـدِّسَـتْ
فـيـهِ الـعـروشُ وسُــيِّـسَ الـقـرآنُ
*
زمَـنٌ تـصـهـيـنَ فـيـهِ بـعـضُ أرومـتـي
وأُعِــيـدَتِ الأصــنــامُ والأوثــانُ
*
كـم مـن مـؤدٍّ لـلــصــلاةِ وصــائِــمٍ
جَـهــرًا ولـكــنْ رَبُّـهُ الـشـيــطــانُ
*
بـلـغـوا الــتـمـامَ مـن الـفـسـادِ كـأنـمـا
فـيـهـمِ عـلـى شَــرِّ الـخـطـى إدمـانُ
*
شَـكـوى حُـسـيـنـيٍّ تـأبَّـدَ حُـزنُـهُ
وتـأبَّـدتْ فـي قــومِـهِ الأحــزانُ
*
مـولايَ أشـكـوهـم إلـيـكَ وأشـتـكـي
قـومـي ومـا قـد أضـمَـرَ الـجـيـرانُ
*
ثُـكِـلـتْ عـروبـةُ أمَّـتـي وتـأرمَـلـتْ
فـيـنـا الـسـيـوفُ ودُجِّــنَ الـشـجـعـانُ
*
كُـنّـا نُـجـيـرُالـمُـسـتجيـرَ إذا اشـتـكى
ظُــلــمًــا وطـالَ بــلادَهُ الــعــدوانُ
*
والـيـومَ صِـرنـا نـسـتـجيـرُ ولا فـتـىً
لـو تـسـتـغـيـثُ " سًـعـادُ " أو " نـجـوانُ "
*
لَـيـكـادُ يـخـجَـلُ أمـسُـنـا مـن يـومِـنـا
وتــفــرُّ مـن أحــداقِــنــا الأجـفـانُ
*
لِـمَـنِ الـجـيـوشُ تـنـاسـلـتْ حـتـى لـقـدْ
ضـاقـتْ بـهـا الـثـكـنـاتُ والــمــيـدانُ ؟
*
لا " مازنٌ " مَـدَّتْ لِـ " غـزّـ ةَ " سـاعِـدًا
فـتُـغـيـثُ مـظـلـومــًا .. ولا " ذُبــيــانُ "
*
عـذرًا أبـا الأحــرارِ مـن جـزَعـي فـلا
" قـحـطـانُ " مُـنـصِـفــةٌ ولا " عـدنـانُ "
*
بـئـسَ الـمـصـيـرُ إذا يـسـيـرُ بـركـبـنـا
نـحـو الأمــانِ الـقـادةُ الــعــمــيــانُ
*
فـعـسـى حـفـيـدًا مـنـكِ يـأتـي فـي غـدٍ
بالعـدلِ حـتـى يـسـتـوي الـمـيـزانُ
*
عـهـدًا أبـا الأحـرارِ تـبـقـى قــائِـمًـا
مـا قــامَ فــيــنــا لــلــصــلاةِ أذانُ
***
يحيى السماوي