قراءات نقدية
كريم عبد الله: محارة الروح.. بين الوجد والذاكرة المفقودة

قراءة نقدية سيميائية لقصيدة "محارة عارية أنا"، بقلم: سلوى علي – كردستان العراق
القصيدة / محارة عارية أنا / للشاعرة سلوى علي تمثل حالة من الغموض والتشظي العاطفي، وهي رحلة داخل الذات المتألمة والممزقة بين الألم والذاكرة، بين الحنين والضياع. تتبنى القصيدة أسلوبًا شعريًا غنيًا بالصور البلاغية والمعاني الرمزية التي تفتح المجال أمام القارئ لقراءة النص من عدة زوايا، وهو ما يسمح للقراءة السيميائية بتحليل العلامات والرموز والعلاقات التي تميز النص.
1. الرموز والعلامات
محارة عارية: يعد هذا التعبير من العنوان مركزًا رمزيًا بارزًا في النص. /المحارة/ تشير إلى الكائن المغلق الذي يحتفظ بما هو ثمين داخلها، ولكن عندما تكون /عارية/، تصبح غير قادرة على الحماية أو الإختفاء، مما يعكس حالة نفسية مكشوفة، عاطفية، وهشة. المحارة العارية تشير إلى الذات التي أصبحت عاجزة عن حماية أسرارها، معلنة عن هشاشتها الداخلية وحاجتها الماسة إلى الاهتمام والعطف.
الأرواح العائمة: هذا التعبير يدخل في مجال ماورائي يعكس حالة من الضياع في عالم غير مرئي، حيث لا يستطيع الشخص الوصول إلى الفهم الكامل لما يحدث حوله، في إشارة إلى الفجوة بين الوعي واللاوعي، بين الواقع والخيال. استخدام /العائم/ يوحي بحالة من التشتت واللاغية التي يشعر بها الشخص في رحلة بحثه عن ذاته.
زنابق طفولتي: الزنابق رمز للنقاء والجمال، لكن في هذه القصيدة تأتي محملة بالحنين والذكريات التي تحث الذاكرة على إيقاظ الماضي المؤلم. /زنابق طفولتي/ تدل على الطفولة البريئة التي فقدت في ظل الزمن القاسي.
الذاكرة على صراخ بأزقتها الخاوية: الذاكرة، هنا، تتجسد كمساحة فارغة، مليئة بالصراخ، كأنها شوارع مهجورة تفتقر إلى الحياة. هذه الأزقة الخاوية تعكس حالة العزلة والفراغ العاطفي الذي تعيشه الشاعرة، وهو صدى للألم الداخلي الذي لا يجد من يسمعه.
2. السيميائيات النفسية والتأويلية
أحلامي أحلام طفلة في سنوات الشوق: هذه العبارة تشير إلى براءة الطفولة وأحلامها البسيطة، ولكنها محملة بالوجع الناتج عن الزمن والمسافات الملعونة، حيث أن الحلم الطفولي النقي تحوّل إلى شوقٍ مرير. هذه الانتقالية بين الطفولة والنضج تعكس سعيًا مستمرًا للعثور على شيء مفقود، وهو الإحساس بالسلام الداخلي والراحة النفسية.
مَنْ يجدُ لي شفتيه؟: هذا السؤال يعكس الفقد العاطفي والجسدي، ويبحث عن المحبة والاحتواء الذي يمكن أن يخلص الذات من غربتها الداخلية. الشفاه هنا قد تمثل شفاه الأب، الأم، أو أي شخص آخر يشبع الحاجة الإنسانية العميقة للمحبة والقبول.
محارةٌ عارية أنا: هذه العودة للعنوان في نهاية القصيدة هي بمثابة إعادة التوكيد على حالة الفقد والضعف، حيث أن الشاعرة لا تزال تعيش حالة من العراء الداخلي، مفتوحة للريح والدموع، غير قادرة على حماية نفسها أو العيش بسلام مع نفسها.
3. السيميائيات الزمانية والمكانية
القصيدة تَنتقل بين عوالم مختلفة، ما بين الطفولة (زنابق الطفولة، حلم البلابل) إلى الحاضر الذي تتوالى فيه الخيبات والصراخ، ثم العودة إلى زمن الطفولة أو الأمس من خلال البحث عن /قبلة عيد/ و/شفاه أبي/. هذه الانتقالات الزمانية تحمل في طياتها إحساسًا دائمًا بالحركة والبحث عن الاستقرار في زمن غير مستقر.
تسارعت نبضي كهمّي المملوء المحموم: الصورة هنا تبرز توترًا داخليًا غير قابل للتهدئة. النبض والتسارع هو تمثيل للحالة العاطفية والفكرية المضطربة، التي تعكس جمودًا في الذات في الوقت ذاته. نجد أن الشاعرة تسعى لتسريع الزمن، لكنها تدرك في النهاية أن الوقت /قصير/، وتجد نفسها في حالة من الندم على ما فات.
4. التوتر بين الذات والعالم الخارجي
تتراوح القصيدة بين التوتر الداخلي للشاعرة وبين محاولاتها المستمرة للوصول إلى الأمان والطمأنينة. /محارة عارية/، كما ذكرنا، تمثل الذات المتألمة والمنفتحة على العالم الخارجي، وهي هنا، تتساءل عن من يمكن أن ينقذها من الألم، فمن خلال الأسئلة المتكررة /مَنْ يجدُ لي شفتيه؟/ و /مَنْ يجدُ لي شهد الاصطبار؟/، تبدو الشاعرة في حالة بحث مستمر عن خلاص، لا يجد لها سبيلًا إلا في التمسك بالماضي والذكريات.
5. الختام والتعبير العاطفي
يااااا أيها الصدى .. يا أيها الصدى/: هذا التكرار يشير إلى تواصل الشاعرة مع عالم بعيد عنها، وهو صدى لصرخة ألم ونداء لشخص أو لحالة من الخلاص لم تأتِ بعد. الصدى هو الصوت الذي يظل يعود إليك بعد أن ينقطع، وهو هنا يرمز إلى إصرار الشاعرة على الوصول إلى الحقيقة أو الراحة النفسية التي طالما بحثت عنها.
أصرخ في زمن الضجيج وااااأبتاه!: الختام بصرخة /أبتاه/ يجسد الحنين الأبوي الذي يطفو على السطح بعد أن كانت الشاعرة تطوف في عوالم معتمة مليئة بالتشويش والمشاعر المضطربة. الأب هنا يمثل مصدر الحماية والراحة، وهو آخر أمل يمكن أن يلتجئ إليه الشخص الذي يعيش في العراء.
الخلاصة:
القصيدة /محارة عارية أنا/ هي نص شعري مكثف وعميق يدمج بين الرمزية والسيميائية في التعبير عن حالة الضياع والبحث عن الذات. من خلال الرموز والألوان والعلاقات المكانية والزمانية، تفتح الشاعرة مجالًا للتأمل في الهوية، والحب، والضياع، والحنين. النص يعكس تجارب إنسانية متعددة، وهو يجسد التوتر بين الذات والعالم، وبين الحلم والواقع، وبين الماضي والمستقبل.
***
بقلم: كريم عبد الله – العراق
....................
محارة عارية أنا
بقلم : سلوى علي
كلّما أتأملُ الأرواحَ العائمة في عالمٍ لا مرئي، تتناغى الضربات الشاردة للقلب صلوات بأسرار عرائشي، ليدغدغ حكايات الوسائد المحشوة بحلمِ البلابل تحت خبايا نهار متدفق فوق أحجار التمني. فجأة، صوت يجلجل ما وراء الحدود زنابق طفولتي، لتحثّ الذاكرة على صراخ بأزقتها الخاوية وتلامس رماد سروجي كريح العراء بين نتوءات الخيال. يتسـارعُ نبضي كـهمّي المملوء المحموم فـوق مـشارف التأوه بإرث عــظيم، ينقّي قــلائده من كســـرات صـرخة منتفضـة بترتـها الخيبات.
أحلامي أحلام طفلة في سنوات الشوق ملعونة المسافات، تنتظر مـعانقة دمـوعي اليتيمة قُبلة عيد مـن جـذع شـجـرة التهمه الضباب وتناثر.
مَنْ يجدُ لي شفتيه؟! لأتطهر من غربتي وأغزل ضفائري بدندنة أزهار مدججة بطربه الغجري.
مَنْ يجدُ لي شهد الاصطبار..؟! فذاااك الصوت مازال قاتلي..!!
كي أقتفي هديل سراب حديقة مجهولة يتأرجح الجفاف بين مداراته، مشوشة الفكر. عساه ينساب مروجاً من سندس سرمديّ، قزحية الألوان، فراشاتها أزلية، براعمها أيقونات بلورية فوق جسدي المغتصب.
يااااا أيها الصدى.. يا أيها الصدى.
محارةٌ عارية أنا تغرق بأوردة الحنين بين فراديسه الضاحكة وقمحه الناضج، أتوسل اليك دع ابتهالاتي تتوهج، امهلْ دهشتي التواقة فالوقت قصير، دعني أمتطي صهوة الطيف بارتعاشاتي وهزيع الوجد بين جموح الخيال، لأسرق قُبلة واحدة من شفاه أبي وأصرخ في زمن الضجيج وااااأبتاه!