قراءات نقدية

كريم عبد الله: قراءة نقدية لقصيدة "بوح قصيدة" للشاعرة: حنان يوسف

قصيدة في زمن الشوق والحرمان: بوح القلب

قصيدة / بوح قصيدة / للشاعرة اللبنانية حنان يوسف تحمل في طياتها مزيجًا من الشوق، الألم، والحنين، وتنقل القارئ إلى عالم عاطفي مليء بالتناقضات، حيث تعبر الشاعرة عن صراع داخلي عميق بين الحب والحرمان، الأمل واليأس، التواجد والغياب. هي قصيدة تتناول الرغبة في التواصل والاتصال مع الآخر، لكنها تبرز أيضًا الألم الناتج عن المسافات التي تفصل بين الأحبة.

الموضوع العام:

القصيدة ترتكز على فكرة الاشتياق والحب الممنوع أو البعيد، حيث تتعامل الشاعرة مع مشاعر متناقضة ومتداخلة. من خلال بوحها الداخلي، تنقل لنا الشاعرة تفاصيل العاطفة الهائلة التي يشعر بها الشخص في حالة الحب أو الاشتياق، وهي مشاعر متوترة بسبب المسافة بين الأحبة أو الزمن الذي يمر ويؤثر على العلاقة. على الرغم من هذه المسافة، يبقى الحب حيويًا في القلب، ولكن يتبدد بمرور الوقت وتزداد مشاعر الحنين، ويحل معها شعور آخر من الفقد.

التقنيات الأدبية:

الاستعارات والتشابيه: الشاعرة تستخدم استعارات غنية ومعبرة لخلق صور شعرية حية. على سبيل المثال:

/نبضاً يتراقصُ في صدري/: استعارة تُجسد تأثير الحب على الشاعرة بشكل قوي، حيث يُظهر القلب كآلة حية تتأثر بالعواطف بشكل فوري.

/في بوحه أسراري/: هنا، البوح يصبح وسيلة للكشف عن الذات، وهو رمز للكشف عن المشاعر المخفية.

/والمسافات شموعٌ تتوهج بالشوق الكبير/: توازن بين المسافة والشوق، حيث تصبح المسافات شيئًا يتوهج في القلب بدلاً من أن تكون مجرد فراغ.

الرمزية:

الزمان والمكان: الزمان والمكان في القصيدة يلعبان دورًا أساسيًا في تعميق شعور الغربة والفقد. /سكن في زمنِ الأبعاد/ و/عشقك المهزوم/ يعكسان الحنين لماضي أو لحظة كانت أكثر حضورًا في الذاكرة من الواقع الحالي.

الشوق والحرمان: الشوق يصبح عنصرًا أساسيًا في القصيدة، ولكنه لا يأتي في صورة ممتعة أو مفرحة، بل هو شوق يرتبط بالحرمان والألم. /نم قرير الشوق على صدر الحرمان/ يمثل حالة من التعايش مع الألم الناتج عن الفقد أو البعد، مما يضيف بعدًا مأساويًا في القصيدة.

التكرار: التكرار في القصيدة ليس مجرد وسيلة لإضفاء الإيقاع، بل هو أداة لتكثيف المشاعر وتعميقها. تكرار كلمات مثل /الشوق/، /الحنين/، و/الزمان/ يعكس تكرار التجربة العاطفية نفسها، بما في ذلك الصراع الداخلي المستمر بين الأمل والفقد.

الأسلوب واللغة:

الشاعرة استخدمت لغة شاعرية، تميل إلى الغموض في بعض الأحيان، مما يفتح المجال لتفسير متعدد المعاني. الكلمات مثل /غدر بشتائك/ و/أحنى ظهرك الزمان/ تحمل إحساسًا بالخذلان والظروف التي تحول دون التقاء الأحبة أو حدوث اللقاء المأمول.

استخدام الشاعرة لبعض الألفاظ ذات الطابع الكلاسيكي مثل /صبري/، /الحنين/، و/الوقار/ يمنح القصيدة بعدًا ثقافيًا تقليديًا، لكنه في الوقت ذاته يتناغم مع طبيعة القصيدة المرهفة التي تحمل أبعادًا عاطفية وفلسفية. هذا التزاوج بين العاطفة الشخصية واللغة الرمزية يجعل من القصيدة مساحة مفتوحة للقراء ليتواصلوا مع أفكارهم الخاصة حول الحب والفقد.

الصور الشعرية:

القصيدة مليئة بالصور الشعرية التي تترجم الصراع الداخلي بين الرغبة والفقد، مثل:

/المسافات شموعٌ تتوهج بالشوق الكبير/: صورة شعرية غنية حيث تتحول المسافات إلى شموع تضيء في قلب الشاعرة، مما يضيف بعدًا شاعريًا ورومانسيًا للصراع الداخلي.

/في بياضِ شَعرك يلمعُ الوقارُ/: الشعر هنا ليس مجرد عنصر مادي، بل هو رمز للوقار والنضوج الذي يتجلى في علاقة الشاعرة بالمحبوب أو في عالمها الداخلي.

/نم قرير الشوق على صدر الحرمان/: هذه الصورة تمثل صراعًا داخليًا، حيث يتعايش الشوق مع الحرمان، ويبدو أن الشاعرة قد اعتادت هذا الوضع المؤلم.

الختام والفكرة الفلسفية:

القصيدة تنتهي بتعبير مكثف عن الحزن والتقبل لمفهوم الفقد: /فأنا مثلك،، اسكن إنما،،؟ في زمن بلا أسياد/. في هذه السطور، نرى نوعًا من التمرد على الزمن وعلى القيود التي يفرضها الواقع، حيث يختتم النص بعبارة تشير إلى نوع من التأمل الفلسفي في الحرية والوجود في /زمن بلا أسياد/. إنها دعوة للعيش بوعي مكثف رغم الألم، والتصالح مع الواقع.

الاستنتاج:

قصيدة /بوح قصيدة/ هي عمل شعري متقن يعكس صراع الذات مع مشاعر الشوق والحرمان في عالم مليء بالتناقضات. عبر استخدام الرمزية والاستعارات واللغة العاطفية العميقة، تطرح الشاعرة رؤية حساسة للعلاقة بين الفرد وواقعه الداخلي، وتعبر عن فكرة الاشتياق والحب بشكل يعكس القوة والضعف في آن واحد. القصيدة تلخص تجربة إنسانية عميقة مليئة بالألم والأمل، مما يجعلها مؤثرة وقادرة على لمس قلوب القراء.

***

بقلم: كريم عبد الله – العراق

..........................

بوح قصيدة

قرأتُ فيكَ نبضاً

يتراقصُ في صدري

يهمسُ بسرّي

غرسني،،

في حقولِ الاشتياق

سلبَ صبري

وتمادى في الابتعاد

في بوحه أسراري..

ولهفةُ اللقاء

تسبحُ في ثنايا أوردتي

والمسافات شموعٌ

تتوهج بالشوق الكبير

سكن في زمنِ الأبعاد

أسمعُ أنينك المتعب

غدرَ بشتائك

وأحنى ظهرك الزمان

يا وصالاً،،

دونَه جفّت العروق

والنبضُ ارتهان

في بياضِ شَعرك

يلمعُ الوقارُ

في صدرك ،،

ذاب الحنينُ

إلى القصيدة

دائم البحث عن الحنان

في دروب مخفية

ومتاهات

عن عشقك المهزوم

فنم قرير الشوق

على صدر الحرمان

فأنا مثلك،،

اسكن إنما،،؟

في زمن بلا أسياد

***

حنان يوسف – لبنان

في المثقف اليوم