قراءات نقدية

كريم عبد الله: صرخة الصمت.. سيمفونية الألم والذكريات الخالدة

قراءة نقدية سيميائية في قصيدة "الصمتُ فقط" للشاعرة سابرينا موريللي – ايطاليا

الصمتُ فقط

لنْ يكونَ هناكَ صمتٌ فقط بينَ أحضانِ كلماتي، سأسيرُ في تأرجحٍ لاهوتي مِن الأفكارِ التي تخصني، مبعثرة في أفقٍ يهمسُ لي بالحياة عنك.

سأستدعي ذكريات كامنة مِن زمنٍ يطالب بكلِ شغف، بكل اضطرابٍ مِن ذلكَ البيت المرتبك في نموذج لفعلٍ لمْ أعدْ أستطيعُ تصريفه.

مغمورةٌ في سرابِ ذلك الحب الضائع، أتيهُ في ضبابِ طريقٍ تغطيهِ أفكار متشابكة في هوةٍ من الألم.

سأرددُ رغبةً في احتضانٍ، في غروبٍ أخير يبتعدُ، أفكاري التي لا يمكن ملؤها، التي تداعبني بين الأبيات العابرة والكسولة.

لنْ يكونَ هناك صمت فقط، حيث تتجلى روحك في ذلك التنهد الصامت الذي تركتهُ في صدري؛ صرخةٌ ستنفجرُ في الكون في تناغمٍ تامٍ مع سيمفونية ستعزف بين نغمات وجودك الخالد.

***

سابرينا موريللي- ايطاليا.

......................

القراءة النقدية:

تعدّ قصيدة / الصمتُ فقط/ - للشاعرة الإيطالية سابرينا موريللي نصًا شعريًا مليئًا بالرمزية والتعبير المكثف، يعكس الصراع الداخلي بين الصمت والكلام، بين الفقد والذكرى، وبين الحب والموت. باستخدام أسلوب سيميائي، يمكن تحليل الدلالات الرمزية والعلامات التي تقود إلى فهم أعمق للقصيدة وأبعادها النفسية والفلسفية.

1. الصمت كعلامة رمزية:

البداية مع العنوان /الصمت فقط/ يشير إلى تناقض مبدئي؛ فالصمت في العنوان يقابل الفعل والتعبير الذي تطرحه الكلمات في النص. يفتح هذا التناقض أمام المتلقي أسئلة فلسفية عميقة حول المعنى والحضور والغياب. في البداية، تتحدث الشاعرة عن عدم وجود /صمت فقط/، إذ تعترف بأن الصمت ليس مجرد غياب الصوت، بل هو أيضًا مشبع بالوجود الكثيف للأفكار والعواطف. هنا، /الصمت/ يصبح علامة على حالة من الوجود المزدوج: الصمت المادي مقابل الصمت الداخلي المملوء.

2. اللغة وأبعادها الزمنية:

تتمثل السيميائية في هذه القصيدة في تداخل الأبعاد الزمنية في النص. تتنقل الشاعرة بين الزمن الحاضر والماضي، وتحاول أن تعيد استحضار الذكريات واللحظات الماضية التي يسيطر عليها الحب المفقود. تعبير /سأستدعي ذكريات كامنة/ يشير إلى عودة إلى الماضي واستعادة للحظات زمنية قد تكون فقدت بالفعل، مما يشير إلى عدم القدرة على التفاعل مع الزمن الحاضر كما كان من قبل. الماضي يتداخل مع الحاضر، حيث يصبح الحب والذكريات علامات يمكن للشاعرة أن تعيد اكتشافها.

3. الفقد والوحدة:

/سراب ذلك الحب الضائع/ و/أتيه في ضباب/ تعد علامات دالة على الفقد المستمر والضياع. الشاعرة تعبر عن شعور مؤلم من فقدان الأمل، وتستخدم استعارات سيميائية (مثل "السراب" و"الضباب") لتصوير هذا الفقد. الفقد هنا ليس مجرد غياب لشخص أو شيء، بل هو فقدان الذات وابتعاد المشاعر الحقيقية عن الواقع، مما يولد حالة من الغموض والضياع الداخلي.

4. الصرخة والموسيقى:

الصوت في القصيدة لا يظهر إلا في النهاية، وفي لحظة الانفجار الوجودي، حيث /صرخةٌ ستنفجرُ في الكون في تناغمٍ تامٍ مع سيمفونية ستعزف بين نغمات وجودك الخالد/. يتجلى الصمت هنا في تضاده مع الصرخة، مما يعطي للقصيدة طابعًا ملحميًا يتسم بالاحتشاد العاطفي. إن هذه /الصرخة/ ليست مجرد خروج مفاجئ للصوت، بل هي علامة على تمرد الذات على صمتها الداخلي، وعلى السعي للتحرر من أصفاد الذكريات. السيمفونية، بما تحمل من تناغم، تصبح بمثابة تجسيد لصوت الحب الخالد والوجود الذي لا ينتهي.

5. الرمزية في النهاية:

القصيدة تُختتم بتعبير عن التناغم بين الحضور والغائب، بين الوجود والعدم. عندما تقول الشاعرة /سيمفونية ستعزف بين نغمات وجودك الخالد/، يظهر أن المعنى لا يأتي من الفقد فقط، بل من الإصرار على استحضار الحضور عبر الموسيقى والصرخة، مما يترك القارئ في مواجهة مع السؤال الوجودي: هل يمكن للصمت أن يصبح صوتًا؟ هل يمكن للحب الضائع أن يتحول إلى موسيقى خالدة؟

الخلاصة:

قصيدة /الصمتُ فقط/ تعد نصًا شعريًا مليئًا بالرمزية والسيميائية العميقة. تتعامل مع الصمت ليس كغياب، بل كحالة مليئة بالذكريات والآلام والتوق. ينجح النص في خلق تضاد داخلي بين الصمت والصوت، بين الفقد والحضور، وبين الحياة والموت. ومن خلال هذا التفاعل بين العناصر، تسعى الشاعرة إلى التعبير عن عالم داخلي معقد، حيث يصير الصمت والألم والحب الخالد علامات ذات دلالات شديدة القوة، تحمل في طياتها أكثر من مجرد كلمات، بل تنبض بحياة ومعانٍ أعمق.

***

بقلم: كريم عبد الله – العراق

في المثقف اليوم