قراءات نقدية

محمد خالد النبالي: تأملات في البنية اللغوية والبلاغة.. استثمار دقيق للجمال اللغوي

في نص (هوية حلم) الشاعرة فاطمة عبد الله

تتميز قصيدة "هوية حلم" للشاعرة الدكتورة فاطمة عبد الله بعمقها الدلالي وجمالياتها اللغوية، إذ تطرح رؤية عميقة حول معاني الهوية والوجود من خلال مرآة الأحلام.

يُمكن اعتبار هذه القصيدة رحلة استكشافية داخل الذات الإنسانية، حيث تلتقي الأفكار والمشاعر والأمنيات.

بداية: عنوان النص مثير، ونادر وجوده أو لفظه بين العامة. فهل هناك هوية للحلم؟

العنوان " هوية الحلم "

""هوية الحلم" هو عنوان يحمل دلالات عميقة تشير إلى الانتماء والتعريف بالذات من خلال الحلم.

يتضمن مفهوم الهوية عناصر متعددة: الفردية، الطموح، الألم، والبحث عن المعنى.

فالأحلام ليست مجرد رؤى ليلية، بل هي تجليات لرغباتنا وآمالنا، وتعبير عن واقعنا الداخلي.

الارتباط العنوان بالنص:

في النص الذي كتبته الشاعرة فاطمة عبد الله دل، تظهر هذه الهوية في مجموعة من الصور الشعرية التي تعكس الصراع بين الحلم والواقع.

حلم الشاعرة، الذي يتجسد في "حلم البنفسج"، هو رمز للأمل والجمال الذي تضرع للسماء، ولكنه يواجه واقع "سحيق الشقاء" و"حكاية الخواء".

هنا نجد التضاد بين ما يمثله الحلم من نور وأمل، وما يعبر عنه الواقع من ألم ومرارة.

إن الشاعرة ترسم صورة للانتظار العبثي ومحاولة التكيف مع الألم العميق الذي يكتنف الهوية.

فهي تشبّه نفسها بــ"سيزيف" الذي يحمل صخرة بلا نهاية، مما يعكس شعوراً بالعجز والإحباط. الهوية هنا ليست فقط مرتبطة بالحلم بل أيضاً بالمعاناة وفقدان الأمل.

الإشارة إلى الهوية في النص .

تتجلى "هوية الحلم" في مواقف الشاعرة من الحياة، حيث تذكر كيف أن أملها يتآكل بين صراعات الوجود.

تمثلت الهوية في شموليتها، فهي الهوية الناتجة من التراب، من "لون واسم وعمر وقدر".

هذا المعنى يشير إلى تجربة شخصية ربما تعكس تجارب جماعية، مما يجعل من الحلم هوية ليست فردية فقط، بل تمتد لتشمل معاناة مجتمعات كاملة.

باختصار، عنوان "هوية الحلم" يبرز الصراع الدائم بين الطموح والواقع، ويجسد معاناة الأفراد على صعيد البحث عن الذات وتعريفها في عالم مليء بالتحديات.

تظل الهوية في حالة تشكل دائم بين الفرح والألم، وفي النهاية، تصبح الأحلام هي ما يحدد هذا الواقع المتجذر في الذاكرة والوجود.

نهاية تأويل الحلم ...

البنية اللغوية والبلاغة:

تستثمر الشاعرة بلاغة اللغة العربية بذكاء شديد، فتستخدم الاستعارات والتشبيهات لتثري معاني النص وتفتح آفاقاً جديدة للتأويل.

فمثلاً، قد نجدها تصف الحلم ككائن حي يختزل فيه كل الأماني والطموحات المعلقة في الفضاء، مما يمنح القارئ إحساساً بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه هذا الحلم، بل ويجعل منه شخصية فاعلة في القصيدة.

التيمة الأساسية:

تدور التيمة الأساسية حول مفهوم الهوية، تلك الفكرة المعقدة التي ترتبط بالجذور والانتماءات والأحلام.

في "هوية حلم"، تبرز الصراعات الداخلية للإنسان بين واقعه وهويته المنشودة.

تتجلى هذه التيمة في استخدام الشاعرة للألفاظ المتناقضة، مما يعكس التوتر بين السعي نحو تحقيق الهوية المثلى والواقع المرير الذي يعيش فيه الفرد.

العمق النفسي:

يتضمن النص عمقاً نفسياً واضحاً، حيث تعبر الشاعرة عن مشاعر الحيرة والقلق التي تصاحب محاولات اكتشاف الذات.

يمكننا أن نعتبر الحلم هنا وسيطاً يُفضي إلى إدراك الهوية الحقيقية، مما يمنح القارئ شعوراً بالتعاطف مع شغف البحث عن الذات.

التوظيف الرمزي:

تظهر الرمزية في اختيار الصور الشعرية، فكل صورة تحمل في طياتها معاني متعددة قد تُفهم في سياقات مختلفة، مما يُغني تجربة القراءة ويفتح أمام القارئ فرصاً للاكتشاف الشخصي.

هذا الاستخدام الرمزي يعكس قدرة الشاعرة على نقل الأفكار المعقدة بأسلوب جمالي يُشعرنا بحضور الأحلام كجزء لا يتجزأ من الهوية الإنسانية.

التوظيف الزمني والمكاني:

تمتاز القصيدة بتوظيف الزمان والمكان بشكل يعكس الحالة النفسية للشاعرة.

فالزمان يتأرجح بين الماضي والمستقبل، بينما المكان يتمثل في فضاءات مفتوحة تعكس حرية الأحلام، لكن سرعان ما تعود للوقوف عند حدود الواقع المؤلم.

الخاتمة:

إن قصيدة "هوية حلم" للدكتورة فاطمة عبد الله ليست مجرد نص شعري عابر، بل هي تجسيد للتجربة الإنسانية مليئة بالحلم والبحث، حيث تعلو الأصوات وتختلط الأسئلة.

تستحق هذه القصيدة قراءات متعددة وموضوعات نقاش، فهي تعكس تناقضات الهوية وتنوع التجربة الإنسانية ببلاغة وإتقان، مما يجعلها ضمن الأعمال الشعرية المتميزة في الأدب العربي المعاصر.

أخيرًا، قصيدة ما زالت تتسع للنقد والتأويل، استثمار رائع وكبير للجمال اللغوي.

أطيب التمنيات للشاعرة العميقة

***

محمد خالد النبالي - عمان / الأردن

.........................

هُوِيَّةُ حُلْم

حُلْمٌ تَسَلَّلَ في الفَجْرِ

عَلَى أَجْنِحَةِ النُّورِ

تَوَشَّحَ بِنَمَشِ الفَرَاشَاتِ

وَتَعَرَّشَ عَلَى ضَفَائِرِ الأَمَلِ

تَضَرَّعَ لِلسَّمَاءِ بِأَكُفِّ المُنَى

كَسُنُونُوَةٍ هَائِمَةٍ بِالدِّفْءِ

*

إِنَّهُ حُلْمُ البَنَفْسَجِ

سَقَطَ بِغَيْرِ عَمْدٍ فِي سَحِيقِ الشَّقَاءِ

بَاتَ حِكَايَةَ الخَوَاءِ

وَشُحُوبَ رَبِيعٍ وَالهَبَاءِ

هُنَاكَ، فَوْقَ الأَرْصِفَةِ البَارِدَةِ

أَمُوتُ وَأَحْيَا وَأَتَجَرَّعُ السَّقَمَ

أَنَا المُجَرْجِرُ فَوْقَ نِصَالِ الأَلَمِ

سِيزِيفُ أَنَا

*

يَغْشَى الضَّبَابُ انْتِظَارِي العَبَثِيَّ

مِثْلَ انْتِظَارِ غُودُو

كَبَحَّارٍ مَهْزُومٍ أَعُودُ بِمِلْحِ الخَسَارَاتِ

وَالمَخْدُوعِ بِغِنَاءِ السِّيرِينَاتِ

وَكُلُّ شَيْءٍ بَيْنَ أَضْوَاءِ المُدُنِ الكَبِيرَةِ

يَغْدُو كِذْبَةَ نَيْسَانَ

وَيَحْتَرِقُ حَطَبُ القَلْبِ فِي هَسِيسِ لَيْلٍ

وَيَبْقَى رَمَادُ الانْكِسَارِ

*

يَنْحَبُ القَصَبُ

يَبْكِي الصَّفْصَافُ

جُرْحًا لَا يَبْرَأُ

وَوَجَعًا لَا يَهْدَأُ

وَصَدْعًا لَا يَأْرِبُ

*

أَنَا القَادِمُ مِنَ التُّرَابِ

بِلَوْنٍ وَاسْمٍ وَعُمْرٍ وَقَدَرٍ

وَالحُلْمُ هُوِيَّتُهُ السَّرَابُ

***

فاطمة عبد الله

 

في المثقف اليوم