قراءات نقدية
سونيا عبد اللطيف: قراءة في رواية "متوحّش هذا العالم" للأديبة ريم العيساوي
متوحش هذا العالم، لا ندري، كم شخص صرخ وأعلن عن هذا التّوحّش، هل هي صرخة وجع، أم * صرخة إنذار، أم صرخة يأس..؟
وما سبب هذا الصّراخ؟
كأنّي بهذه الصّرخة تصدر من عمق الأعماق، كأنّها انفجار، انفجار أحاسيس مكبوتة، انفجار من هول ما كبتَت النّفس من مظالم وما عاينت من جرائم، انفجار وجع تراكم وتكدّس لعقود طويلة...
ألهذا الحدّ صار العالم متوحّشا؟ أم هو منذ البدء متوحش، إلاّ أنّ حبّ الإنسان للحياة وأمله في شروق غد أفضل، جعله يغضّ الطّرف عن أشياء عديدة، متناسيا السّلبيّات، سعيا لتحقيق شيء من الإيجابيات...
متوحّش هذا العالم، هكذا أطلقت الأدبية ريم عيساوي صرختها المدويّة، كضربة مدفع، كقنبلة ذريّة، * في لفظة واحدة، وزفرة واحدة، لا نقاط، ولا فواصل بين المفردات، ولا حاجة لتكرار الصّراخ، الفعل قد أدّى معناه، وبلغ صداه، من المدى إلى المدى ، دويّ الصّرخة خرق كلّ الأجواء وعبر كلّ الحدود ، فلا جغرافيا تحدّه ولا حواجز توقفه هي صرخة عبرت القارات، تجاوزت المحيطات لتصل الشرق بالغرب، والشمال بالجنوب،...
!!! متوحّش هذا العالم*
صرخة واحدة تنهيها الكاتبة بثلاثة نقاط تعجّب وربّما استنكار واستغراب لما يحدث في عالم الإنسانية..
هذا هو عنوان الرّواية الذي اختارته الأستاذة ريم العيساوي بعد أن كانت اختارت عنوانا آخر لها في البداية وهو "عندما تستيقظ الذاكرة" ، لكنّها تقول إنها عدلت عن ذلك العنوان بسبب اقتحام بعض الذّكريات وبعض الأحداث على عالم الرواية، وأكدت ذلك بتاريخ محدد هو عشرين ديسمبر 2020.. ص 10..
هكذا غيّرت الكاتبة فجأة فكرة عنوان روايتها منذ الشّروع في الكتابة، لأنْها تكتب بوعي، وباقتناع، ولغاية، جميعنا نعلم أن أصعب شيء في المنجزات الأدبية هو التّوفيق في اختيار العنوان المناسب للأثر.. ، فالعنوان هو العتبة الهامّة والمهمّة للمنجز الأدبي، ليكون جاذبا، مشوّقا، مغريا للقارئ كيْ يقبل على اقتناء الكتاب وقراءته، لذلك أغلب الكتاب يتركون عملية اختيار عنوان عملهم آخر مرحلة، وتأتي بعده صورة غلاف الكتاب، فهي العتبة الثانية التي يجب أن يوفّق في اختيارها المؤلف لتكون مرآة عاكسة وصدى لمحتوى الكتاب ومضمونه...
ومع ذلك أعتبر أن الكاتبة قد وفقت في اختيار العنوان واللوحة من خلال تلك الكائنات البهلوانية المتوحّشة كأنْها أشباح مخيفة لمخلوقات عجيبة، غريبة، برؤوس جماجم ومخالب حادّة ومعقّفة، وحيوانات ضارّة وخطيرة وسامّة بلون الدّماء السّائلة، أحمر يغمر المكان، سواد يغشي الفضاء، هو الليل وهو الظّلام، وهي الوحوش الضّارة التي تتحرك في الحلكة الدامسة.
الكاتبة بخيالها الشّاسع وقوّة ذاكرتها التي استرجعتها بعد فقدان دام شهرين، لا تكتب تخريفا ولا هراء ولا قصّة من قصص ألف ليلة وليلة.. وإن كانت تعرّضت في فصل من روايتها لسرد قصّة لفجر زاد وما فعله بها تجّار الإرهاب ونهايتها البائسة على يد أخيها، الذي يكتشف حقيقتها عندما رجع لليلة الثانية لينتقم منها ويسألها سبب تمنّعها عنه وصدّه بقوّة، وليقضي ليلة ماجنة معها...
الكاتبة لا تهذي، هي تستعرض ملحمة في العناء والعذاب من سيرتها الذّاتية، وقد اختارت بطلة * روايتها سوسن، لتسرد على لسانها قصّتها المليئة بالمرار والوجع، ولم تبتئس ولم تكتئبْ ولم تستسلم للمآسي، كانت تشحذ عزيمتها بالصّبر، تحصّن نفسها بالإيمان والقرآن وهذا نجده في كلّ فصول رواياتها وهذا يدلّ على تشبّثها بدينها، وعلى تكوينها الاجتماعي، من خلال إيمانها أن آيات الله علاج وشفاء، لذلك نجدها كل مرّة تلوذ من عالمها المتوحّش إلى عالم التْحصين بالقرآن،
فالكتابة عالمها المثاليّ، مستقبلها الوردي، بممارستها تتخلّص من كوابيسها، إذ تسكب أوجاعها فتسيل مآسيها فوق الورق، ودموعها تجفّ مع الحبر، فتتخلص من همومها وتمضي في الحياة، حاملة آمالها أحلامها ومحبرتها وأقلامها لتسجّل ذكريات لم تمح من ذاكرتها لها تاريخها وحفرت على جدار قلبها، وتحاول التْخلّص منها بتدوينها في ثوب حكاية ، حكاية يتلقّاها القارئ بشغف فتتداخل في ذهنه الشّكوك حول ماهية ما يقرأ هل هو حقيقة أم خيالا.. ولعلم الجميع، لو قمنا لسرد الحقيقة بصدق وشفافيّة ستكون أبشع من الخيال مهما اجتهدنا في رسمه، وإذا وفّقنا في تصوير تفاصيل الحياة بدقّة، نكون قد أبدعنا ونجحنا في تحويل الحقيقة إلى خيال، وكتبنا عملا أدبيّا مميّزا وناجحا
لا أريد تكرار ما قيل في قراءات سابقة للرواية، لكنّي سأقف عند بعض التّفاصيل شدّتني في الرّواية، * وشدّت انتباهي، حسب اجتهادي، الكاتبة جعلت روايتها لولبيّة، نهايتها تنفتح على بدايتها والعكس بالعكس، حين كانت بصدد سرد الأحداث، لم تلتزم بقاعدة، ولا بترتيبها في الزّمن، فهي تدخل القارئ إلى عالمها وتخرجه منه كما تشاء، ومتى تشاء، جاعلة خيوط اللّعبة في معصمها، تستطرد الذّكريات، تعود إلى صندوقها الأسود لتطلع منه ما تريد من أحداث رهيبة، وحكايات عجيبة، كانت تعرّضت لها في ماضيها القريب والبعيد، رابطة الماضي بالحاضر بكل براعة، فهي تسرد ما تريد، وتتوقّف متى تريد، أحيانا لا تكمل الحكاية كأنها تريد تشويق القارئ وترغمه على متابعتها بجعله يواصل القراءة ليصل إلى نهاية سرد حكاية تناولتها، وربما تريد تشريكه في حدث الكتابة فيساهم في رسم نهاية القصة بأسلوبه وخياله وبما لديه من ثقافة ومعلومات، وبما يشهده ويعيشه في الواقع لأنّ ما ترويه هي من صميم الوجع والواقعي هي مشاهد تكرّر عبر التاريخ، في كل حقبة من الزّمن،.. في ذات الوقت وبهكذا سرد، هي تنقطع عن مواصلة الحديث عن حادثة ترويها تتعلّق ببطلة روايتها سوسن، بالعودة إلى عالمها الواقعي، من خلال تلك الرّسائل التي تصلها من صديقتها الإعلاميّة سلمى الموصلي عبر الماسنجر، فتربط حالات التّوحش التي عايشتها بحالات التّوحش التي تحدث في سجن أبي غريب ببغداد أثناء حرب الخليج وبعده، من عمليات اغتصاب استفزازية وحيوانيّة لا يمكن وصفها إلا بالتْوحّش لأنها خالية من الرّحمة ومن الإنسانية تمارس على نساء وفتيات وصبايا قاصرات حتى الأطفال لم يسلموا من أيادي الجنود الأمريكيين والبريطانيين وحتى العراقيين أنفسهم، بسبب رغبة جامحة في الانتقام من الإسلاميين خصوصا المتديّنين والسّنيّين... جرائم مسكوت عنها في حق الإنسانية من قبل الدّول المهيمنة والمحتكرة لكل شيء اقتصادا وسياسة وتكنولوجيا، وتربية وعلما، والتي تمتلك مفاتيح حقوق الإنسان والسّلام الوهميّة المسكوبة على الورق، مجرد شعارات واهية، لعبة سياسية قذرة، تواطأت فيها أطراف عديدة، بمشاركة أيادي أبالسة عربيّة، لسحق الهويّة العربيّة وضربها عرض الحائط للاستحواذ على ثروات العراق، ونفطه، وفسفاطه باسم السلام والحريّة والديمقراطيّة وبحجّة مساندة الدّول المظلومة، المنكوبة، وكأنها وصيّ عليها... بتعلْة أن بعض حكّام العرب ظالمون وطغاة يجب سحقهم وإزالتهم بإبعادهم عن الحكم بشتّى السّبل.. ثم حالة الصّمت الرّهيب لوسائل الإعلام خوفا من تهديدات هذه السّلط السّياسيّة الحاكمة، إلى جانب خوف العائلات العراقيّة آنذاك، والتي مازالت تعيش في طقوسها وفي أجواء العشيرة والقبائل، إذ كانوا يتستْرون على مثل هذه الجرائم خشية العار والفضيحة التي أصابتهم وأصابت نساءهم، فبدل من رفع قضيّة في الشّأن وتقديم شكوى ضدّ هؤلاء المجرمين، يلوذون إلى الصّمت ويفرّون من بيوتهم فيئدون بناتهم المغتصبات ويتخلّصون منهنّ بطرق فظيعة وأكثر توحّشا، بالقتل والذّبح والرّمي بجثثهنّ تحت الأنقاض وفي الوهاد أو دفنهنّ في سكون الليل وهنّ مهزومات، مظلومات، بائسات، ضعيفات، ذليلات...
هكذا كانت الكاتبة ريم العيساوي في سردها لأحداث روايتها، مراوحة بين سيرتها الذاتية، وما تراءى لها في الماضي، وما يحدث معها في الحاضر، وهي التي كلّما هربت من مأساة تقع في مأساة أبشع من الأولى، إلى الحديث عن سيرة جماعية، بوصف تلك الأعمال الإجرامية المتوحّشة من قبل الدّول الدكتاتوريْة باسم الدّفاع عن الإنسانيّة ونشر السّلام وفضّ النّزاعات بين الدّول الجيران فتقتل البراءة وتفتك بالبشر، وتنتقم بكره وحقد دفين من العرب، بتلك الاغتصابات العدوانيّة لنساء وبنات في عقر ديارهنّ وفي مدنهنّ وبلدانهنّ وأمام أعين عائلاتهنّ مثل الأب والأخ والزّوج والجار و.. و..، بطرق غير إنسانية لإذلالهم وتنكيس رؤوسهم ولجبرهم على عدم المقاومة، ولا الدّفاع عن شرفهم، ولمدّ عنقهم لحبل المشنقة طائعين، صاغرين، وبمذلّة شنيعة،..إنّها لعبة الكاتبة، في جرّها لنا وراءها عند سردها لروايتها بأسلوبها السّلس الشّيّق وبلغة شاعريْة ممتعة، بتقنيات وأسلوب كتابة الرّواية الحديثة، إذ جمعت كلّ الأجناس الأدبيّة فيها، شعرا، قصة، رواية، ملصقات، أشعارا، إعلانات، الانفتاح على عالم الرّقمنة والتّكنولوجيا، الماسنجر، المنصّات الافتراضيّة في اللّقاءات الأدبية، وسائل الإعلان والاتّصال والإعلام والأخبار، والتّصوير من خلال تلك الكاميرا الرّاصدة للأحداث والاهتمام بالتّفاصيل الصّغيرة قبل الكبيرة، لشدّ القارئ، وكسب شفقته، وثقته ليكون في صفّها،.. لقد تحدّثت بصدق وصراحة، من دون إساءة للّغة أو استعمال لغة إباحيْة تضمّنت عبارات أيروكيّة... بل كانت توصل المعنى بذكاء، تذكر أرقاما وإحصائيّات توهم بالحقيقة بل هي الحقيقة، رواية قابلت الذّاتي بالجمعي، الاجتماعي بالاقتصادي والسّياسي، الضّعيف بالقويّ، البسيط بالمتكبّر والمتعالي، المواطن العادي بالسّياسي، رواية سير ذاتي في ثوب سير جماعي بامتياز، وما يؤكد أن الرّواية أخذت كلّ هذه الأساليب وجمعت بين الواقع والخيال حتى أنّ القارئ يخالها واقعا وأحدثت فيه رجّة وارتجاجا في عقله وتجبره على أن يعود للتّاريخ للنّبش فيه والتثّبت في المعطيات والمعلومات المتسرّبة عبر الماسنجر عن طريق سلمى الموصلي أثناء حرب العراق، للكشف عن الحقائق التي ربما كانت مخفية عنه لأنّ الإعلام كان مرغما على التّعتيم، بقصد وبسبب الأوامر التي يتلقّاها...
تقول في ص 31
"وكشف التّقرير الأوروبي عن وجود تقرير حكومي أمريكي صدر عن فرع قوات مشاة البحرية المارينز في وزارة الدفاع الأمريكيّة يفيد حدوث عمليّات تعذيب بشعة في الفترة ما بين أكتوبر وديسمبر 2003 ويشير إلى مدى ما تعرّض له بعض الضّباط والشّهود من ضغوط لعدم تسريب أنباء التْعذيب"
وتُكثر من هذه المعلومات والتّسريبات الصّحفيّة التي تصلها من صديقتها الإعلامية سلمى الموصلي تقول إنْها كانت تراسلها باستمرار تاركة لها هذه المعلومات الخطيرة لتساعدها في كتاباتها ولتذكّي بها روايتها
في ذات الوقت، هي فرصة لتبثّ وتنشر هذه الحقائق المؤلمة المسكوت عنها وعن سبق الإصرار
فهل يمكن القول أنّ الأديبة تكتب يوميات لأن ما تقدّمه للقارئ مؤرّخ بالتّوقيت واليوم والشّهر والسّنة وبالمكان، وبالحدث والأرقام والإحصائيّات،.غير أن الكاتبة ريم لم تكتبها في زمنها، لأنّها كانت تعيش موجة من التّغرّب والصّراعات، والضّغوطات اليوميّة والمتتالية... والرّكض في متاهات الحياة، مع التشبّث بالذّات، لأجل تحقيق نجاحات لتنتصر على الظّلم والقهر واليتم والقسوة والتّجبّر التي عانت منها
كثيرا منذ طفولتها...وصولا إلى هجرتها في الخليج وعملها بدبي، بالإمارات، فهي اليوم اختارت أن تسرد أحداثا أليمة خزّنتها في الذاكرة وكانت تعتقد أنها نسيتها ودفنتها، لكنّها ظلّت تراودها وتلاحقها... في يقظتها وفي حلمها ومنامها وتتراءى لها الكوابيس المؤرقة.... هي كوابيس مسجونة منذ عقود لحكايات عايشتها،...
ثم تعود بها الذّاكرة وهي تستفيق من غيبوبتها لذكرياتها مع والدها الذي رحل عنها وهي طفلة، لكنّه ظلّ النّور الذي تتمسّك به في كل ظلمة، تقول ص 28 مقطع من قصيدة لها بعنوان "برنس والدي":
لمن تعزف أناملي أناشيد الحياة؟
والبرنس نام واستراح من الرّحيل..
ها قد غزتني ثلوج العمر
ولفّني صمت الصّدى
وتقيّحت فيّ القروح..
وحدائقي قد أقفرت ونأت عنها الطّيور.
فلمن أغنّي والسّماء كئيبة أفلت عنها النْجوم؟
يا أبتي...!
هكذا هي رواية " متوحّش هذا العالم!!! " التي تعمّدت الكاتبة أن تسمعنا صرختها فيها، تطلعنا على * وجعها، ومعاناتها وتخبرنا عن صبرها على المكائد، من خلال القاموس اللّغوي الذي توّجته وتوخّته بدءا بالعنوان جعلت الخبر يسبق المبدأ، لأنّ التّوحّش كان الأعظم والأطغى ومازال هذا العالم منبوذ بلعنة وسخط الآلهة....
تبدو لي الرّواية دائريّة... فقد كانت البداية باستيقاظها من غيبوبة دامت شهرين..
لتكون الخاتمة.. أيضا دخولها في غيبوبة أفاقتها منها أميمة ابنة أخيها وهي تسلّمها النّسخة الأولى من روايتها...
تقول ريم العيساوي في مفتتح الرّواية بعد الميثاق والانعكاس الذي جعلته تصديرا لفصول روايتها.. وعددها أربعة، في ص 9-10:
"لاذت سوسن إلى مكتبتها محاولة مصافحة أوراقها البيضاء وإيقاظها من سبات دام شهرين، قلمها في شوق شديد إلى الرّحيل عبر الفضاء الصّامت ليحرّك الأيّام السّالفة قلمها في شوق إلى دفء أصابعها حتى يترجم مداد روحها".
وشرعت تكتب الفصل الأول من روايتها : " عندما تستيقظ الذّاكرة "
وفي نهاية الرّواية التي أراها تنفتح على البداية أو تعلن عن مواصلة الجزء الثّاني منها، بسبب ذلك الهطول من الذّكريات المسجونة في ذاكرتها، والتي تطلع للنّور إثر كلّ حادثة تبلغها فتصاب بالدّهشة ما يجعلها تدخل في غيبوبة، غيبوبة نشوة الكتابة والإبحار مع الشّخوص والأبطال الذين تصنعهم الكاتبة...
تقول في آخر الرّواية ص 194
"عدت إلى بيتي مهدودة من صدمة المفاجأة وهجرني النّوم واستبدّ بي السّهاد فاستغثت بقلمي ليسعفني " "!!!على كتابة الفصل الثاني من روايتي " متوحّش هذا العالم
"تأمّلت ملفّ رسائل سلمى أحسست بدوار عجيب واعتراني الغثيان ودخلت في غيبوبة أفاقتني منها أميمة تسلّمني النّسخة الأولى من روايتي..."
بهكذا استشهادات أختم قراءتي التي أرجو أن أكون قد وفّقت في التقاط صورة بانورامية عن رواية * الأديبة ريم عيساوي، وإن كانت قد أفاقت من غيبوبتها في مطلع الرّواية على صوت أختها والأسرة من حولها متعاطفة مع حالتها... وهي في حيرة من أمرها هل هي لحظات اليقظة أم لحظات السّبات، فهي لحظات متداخلة لا تعرف هل هي من حاضرها أم من ماضيها... فإنّها تفيق على صوت أميمة ابنة أخيها في آخر الرواية.
وهذا قد اشتغلت عليه الكاتبة بذكاء وخبرة من خلال تلك المراوحة بين الماضي وأحزانه، والحاضر بهمومه وحرصها على ابتكار عجينة من الأحداث تجمع بين اليوميّ والسّير الذاتي.. لفضح ذلك التّوحّش الذي يمارسه الإنسان على أخيه الإنسان... وما يحدث من غرائب وفظائع على كوكب الأرض التي ثقل كاهلها بجرائم وحشية لامتناهية يعجز العقل عن ذكرها…
***
سونيا عبد اللطيف
تونس 23/ 03/ 2024